- 269 زيارة

الصيام والحجامة

 بقلم الدكتور عصام محمد عبده

هل يمكن للصائم أن يحتجم؟


للجواب عن هذا التساؤل نقول :  أخرج البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم
 
قال: "الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهي أمتي عن الكي"

الحجامة علاج غفل عنه أهل هذا العصر

 الحجامة للصائم من الأمور التي احتدم الخلاف فيها بين العلماء وأعجبني ما ذكره فضيلة الشيخ محمد الشنقيطي حيث قال : [وهذه الحجامة تعتبر محل خلاف بين العلماء-رحمة الله عليهم- ، هل إذا احتجم الإنسان أو حجم غيره يعتبر مفطراً أو لا ؟

ففي ذلك سنن وآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم  مختلفة ، فقد جاء في حديث أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) وهذا الحديث رواه بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  أوصلهم الإمام الحافظ الزيلعي-رحمة الله عليه- إلى ثمانية عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  كلهم روى عنه هذا الحديث إلا أن أكثر هذه الأحاديث ضعيفة ولا تقوى سنداً ؛ ولكن هناك أحاديث حكم بتحسينها وجزم بعض العلماء والحفاظ بتصحيحها ، فقد صححها الإمام أحمد-رحمة الله عليه- ، والإمام البخاري حُكي عنه تصحيح حديث الحجامة في الفطر وغيرهما من الأئمة-رحمة الله على الجميع- ، والعمل على ثبوت قوله-عليه الصلاة والسلام- : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) قالوا فقوله : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) يدل على أن من حجم أو احتجم أنه يعتبر مفطراً ، ووجه ذلك أن الحاجم وهو الشخص الذي يقوم بالحجامة ( طبيب الحجامة ) لا يأمن من ازدراد الدم ( أي ابتلاعه)، لأن الحجامة تحتاج إلى مص الدم فيُشرَّط الموضع ثم يُمص الدم الفاسد ، فلا يأمن من أن يمص شيئاً من ذلك الدم ، وأما المحجوم فلأن الحجامة تضعف بدنه وتنهك قوته ، ولذلك قالوا : إنه يعتبر مفطراً ، ويستوي الحكم في الحاجم والمحجوم .

وذهب جمهور العلماء-رحمة الله عليهم- وهو قول طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  كأنس وغيره أن هذا الحديث حديث : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) منسوخ .

ومنهم من يقول : إن حديث : (( أفطر الحاجم والمحجوم ))   يُخرج على غير الفطر الحقيقي ، واختلفوا في ذلك على أوجه :

الوجه الأول : قالت طائفة : إن هذا الحديث ورد في سبب مخصوص ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم  مرّ بالبقيع كما في بعض الروايات على حاجم ومحجوم وسمعها يغتابان الناس وهما صائمان فقال-عليه الصلاة والسلام- : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) أي أنهما بغيبتهما للناس قد أذهبا أجر صيامهما فكأنهما أفطرا ، والعرب تقول : أفطر وتقول : أصبح وتقول : أمسى وهو لم يمس ولم يفطر ولم يصبح حقيقة ؛ وإنما المراد أنه أشفى أو تعاطى شيئاً يفوّت المقصود كما في حـال الصائم هنا أنه لما تعاطى الغيبة كأنه ذهبت حسناته فكأنه لم يصم أصلاً ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم  : (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )) [2].

الوجه الثاني - وهو أقوى الوجوه - : أن قوله-عليه الصلاة والسلام- : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) المراد به أنهما أوشكا على الفطر كما تقول أصبحت أصبحت أي ويحك كدت أن تصبح كما في حديث ابن أم مكتوم (( وكان لا يؤذن إلا إذا قيل له : أصبحت أصبحت )) وهذا موجود في لغة العرب إلى يومنا هذا ، فإنك تقول للرجل : هلكت ! هلكت ! وأنت لا تقصد أنه هلك حقيقة ، كأن يكون قريباً من نار فتقول لـه : احترقت ! احترقت ! وهو لم يحترق حقيقة ؛ وإنما المراد أنه في موضع يعرضه للاحتراق ، قالوا : فقوله : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) أي أن الحاجم لا يأمن من ازدراد الدم ، والمحجوم لا يأمن من الضعف الذي يفضي به إلى الفطر ، وهذا يسمى تأويل الحديث بما يدل عليه الحال ، فإن الحال يدل دلالةً واضحةً على أنه سينهك بدن المحجوم ، ولا يأمن الحاجم من ازدراد الدم ، ولذلك لا تستطيع أن تقول : إن الحاجم أفطر حقيقة ؛ لأن المفطر حقيقة يأكل أو يشرب أو يتعاطى شهوة توجب فطره ، فلما كان الحاجم والمحجوم لا يأكلان ولا يشربان وإنما فيهما معنىً يفضي بهما إلى الضعف الذي ينتهي إلى الفطر قَوِيَ حملُ الحديث على هذا الوجه .

وهناك وجه ثالث وهو من أقوى الأوجه ويختاره جمع من الأئمة-رحمة الله عليهم- كما أشار إليه الإمام ابن حزم الظاهري وغيره وهو أن حديث : (( أفطر الحاجم والمحجوم )) كان في أول الإسلام ثم نسخ ، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه ، ولذلك قال " إنما كان رخصة " وكذلك مثل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال " ثم رُخص في الحجامة " قالوا : فقوله " ثم رخص في الحجامة " يدل على أن الأمر كان في الأول عزيمة ثم خفف فيه ، وهذا هو القول الأقوى والأوجه في هذه المسألة ، إضافة إلى أنه ثبت في الصحيح في حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم  احتجم وهو صائم " وابن عباس من صغار الصحابة ، ولذلك قالوا : إنه يقوى أن يكون حديث الناسخ متأخراً عن المنسوخ وهو حديث الرخصة الذي ذكرناه عن أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدري-رضي الله عنهما- ، وعلى هذا الوجه فإن الحجامة كانت في أول الأمر موجبة لفطر الحاجم والمحجوم ثم نسخ ذلك وأصبحت رخصة كما قال أنس : " ثم رخص بَعْدُ في الحجامة " وعليه فإنه إذا احتجم الإنسان أو حجم غيره فإنه لا يعتبر مفطراً .

لكن على القول بأن الحجامة تفطر قالوا : لا تكون مفطرة إلا إذا مص الدم  والله أعلم.] أ.هـ كلام الشنقيطي.

وأحب أن أضيف هنا أن الحجامة أصبحت الآن تجرى بأجهزة الشفط الكهربائية التي لا دخل للحاجم في عملية سحب الدم  فباتت مسألة الخوف من ابتلاع الدم معدومة.



[1] Hgw,vm lHo,`m uk  www.alwatan.com.sa

[2] رواه البخاري وغيره غن أبي هريرة رضي الله عنه

Top