- 2927 زيارة

حق الإنسان في الماء والغذاء

قيم الموضوع
(0 أصوات)

حق الإنسان في الماء والغذاء

لا نرى لكرامة الإنسان معنى إذا فقد حقه في الماء النقي والغذاء الصحي ، فكيف نتحدث عن كرامة لإنسان وهو يلهث وراء قطرة ماء أو لقمة غذاء أ ألسنا نرى حال أولئك الواقفين صفوفا أما شاحنات الهيئات الإغاثية ينتظرون ما يلقى إليهم من وجبة غذاء أو قطرات من الماء لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تروي من عطش فأنى لنا أن نتحدث عن الكرامة الإنسانية إذا مرت صور هؤلاء أمام أعيننا

ولهذا أشار القرآن الكريم إلى عظيم نعم الله علينا  بما امتن به علينا من الماء و أصناف الغذاء؛ قال تعالى : {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} [ النحل:5]

وقال تعالى: { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا} [ النحل:14]

وقال تعالى : {فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون} [ النحل:114]

وقال تعالى: { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [ الملك:15]

وقال تعالى في معرض الامتنان على الخلق : أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون، لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون} [ الواقعة:65:63]

كما قال جل من قائل : { أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون} [ الواقعة : 68-70]

ولما للماء من قيمة عظيمة  ؛فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبس فضل الماء واعتبر فعل ذلك كبيرة من الكبائر ، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره، لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدقه رجل)

وفي رواية أخرى للبخاري : (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك)

وقال أيضا : (الناس شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار) رواه أحمد وأبو داود ورواته ثقات.

ولعلنا نشاهد ما يدور من حديث حول التوقعات التي تشير إلى أن الحرب القادمة ستكون حرب مياه ، ولهذا فإن الأمن المائي وكذا الأمن الغذائي صارا هاجس كل مخلوق على وجه الأرض في المستقبل القريب لا البعيد

ولاستيفاء حق الإنسان في غذاء صحي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغش في الطعام ضمن نهيه عن الغش في كل شيء ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السّلاَحَ فَلَيْسَ مِنّا، وَمَنْ غَشّنَا فَلَيْسَ مِنّا

وروى مسلم أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً. فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطّعَامِ؟" قَالَ: أَصَابَتْهُ السّمَاءُ يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النّاسُ، مَنْ غَشّ فَلَيْسَ مِنّي"

والصبرة هي الكومة المجموعة من الطعام.

أما هذا الذي يتلف ويفسد الماء على بني البشر فجرمه عظيم لأنه يقف في وجه الحياة ؛ قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء من الآية 30] ، وولهذا فإن من يلقون بمخلفات المصانع وركام القمامة وبالنفايات النووية في مياة الأنهار ، نقول إنهم قد اقترفوا كبيرة من الكبائر واحتملوا إثماً مبيناً جراء تلويثهم لمصدر الحياة.

 

ويحث النبي صلى الله عليه وسلم على حفر الآبار والعيون وجعلها صدقة  في سبيل الله ينتفع بها الناس  ؛ فقد روي : أفضل الصدقة الماء وحث النبي صلى الله عليه وسلم على المساعدة في نقل الماء وإعطائه لمن طلب وجعل ذلك من قبيل فعل الخيرات ؛ فقد وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن جابر بن سليم الهجيمي قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة قلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، سلام عليكم، سلام عليكم، أي هكذا فقل. قال فسألته عن الإزار؟ فأقنع ظهره وأخذ بمعظم ساقه فقال: ههنا ائتزر، فإن أبيت فههنا أسفل من ذلك، فإن أبيت فههنا فوق الكعبين، فإن أبيت فإن الله لا يحب كل مختال فخور. فسألته عن المعروف، فقال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض، وإن سبك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه فلا تسبه فيكون أجره لك ووزره عليه، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه"

وشاهدنا من الحديث السابق هو قوله صلى الله عليه وسلم : ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي

وجعل حفر الآبار وإجراء الأنهار من الصدقات التي تنفع صاحبها بعد موته وهو في قبره فقد جاء الأثر  عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) وخرجه أبو نعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبع يجري أجرهن للعبد بعد موته وهو في قبره: من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته)

  

و أريدك أخي القارئ أن تنظر إلى فعل النبي موسى عليه السلام والذي صوره القرآن في هذه الكلمات ، قال تعالى : { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل  } الآيات

فحينما أدرك موسى عليه السلام أن كرامة الفتاتين ستخدش حتما إذا زاحمتا الأقوياء على الماء  ، وقد أدركتا هما ذلك الأمر فرضيتا بالانتظار الطويل ، فتحركت في موسى كوامن المروءة والشهامة وقام بالسقاية لهما  حفاظا على كرامتهما الإنسانية.

وقد دلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفضل ما يقدمه الواحد منا لوالده أو لوالدته بعد مماتهما من صدقة جارية عنهما هو إجراء عين ماء أو حفر بئر  فقد روى أبو داود في سننه عن سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ أَنّهُ قال: "يَارَسُولَالله إِنّ أُمّ سَعْدٍ مَاتَتْ فأَيّ الصّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قال: الْمَاءُ. قال: فَحَفَرَ بِئْراً وَقال: هَذِهِ لأُمّ سَعْدٍ"

وانظر كيف استنبط الإمام القرطبي في تفسيره من الآية التالية هذه المعاني :

قال تعالى : {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين}

في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال. وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله"؟. وروى أبو داود أن سعدا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: (الماء). وفي رواية: فحفر بئرا فقال: (هذه لأم سعد). وعن أنس قال قال سعد: يا رسول الله، إن أم سعد كانت تحب الصدقة، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: (نعم وعليك بالماء). وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقي عنها الماء. فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى. وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلا مؤمنا موحدا وأحياه. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له). قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال: (في كل ذات كبد رطبة أجر". وعكس هذا ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض). وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها)

وإذا كان الإسلام قد أعطى  ذلك الثواب العظيم لمن سقى حيوانا على ظمأ فما بالنا بمن فعل ذلك مع أخيه الإنسان؟!

وقد روى مسلم روايتين  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَنّ امْرَأَةً بَغِيّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ. قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ. فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا. فَغُفِرَ لَهَا".

أما الرواية الثانية فهي  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضاً. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إذْ رَأَتْهُ بَغِيّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ. فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إيّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ "

وعَنْ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "أَيُّما مُسْلم كسَا مُسْلماً ثَوْباً على عُرْيٍ كساهُ الله من خُضْر الجنّة، وأَيُّما مسلم أَطعم مُسلماً على جوعٍ أَطعمهُ الله من ثمار الجنّة، وَأَيُّما مُسْلم سقى مُسلماً على ظَمَإٍ سقاه اللَّهُ من الرَّحيق المختوم" رواه أبو داود

وقد حرص النبي على توفير الماء النقي للمسلمين فحث على شراء بئر رومة من اليهود وجعلها في المسلمين لأن ماءها كان حسنا فقال : " مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ "

وفي قوله  تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }  أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس قال: "كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ، ذاك مال رابح، ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله؟ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه".

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام من أفضل أنواع البر إدراكا منه أن الجائع ذليل حتى يقضي وطره من الطعام فكان من أو لما حث عليه صلوات الله وسلامه عليه حين دخل المدينة إطعام الطعام ؛ أخرج الترمذي والحاكم وصححه، وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس إليه، فجئته لأنظر في وجهه فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعت منه أن قال: "يا أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".

وجعل ثواب من فطر صائما كأجر الصائم ؛ عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (من فطر صائما كان له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا). وهذا الأمر وإن كان عاما في حق الصائم الغني والصائم المحتاج إلا أن نصيب المحتاج منه سيكون أوفر بلا شك

وروي عن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حق شهر رمضان : " ... من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قلنا: يا رسول الله ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء، ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، " الحديث

وجعل إطعام المساكين  في القرآن أحد وسائل تكفير الذنوب  والأخطاء

وخذ على ذلك مثالاً : يقول تعالى في سورة المائدة  [ الآية : 89]: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}

ويقول تعالى في سورة المجادلة [ 3—4] : {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم }

 وقد روى أبو هُرَيْرَةَ فقال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: (مالك). قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها). قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين). قال: لا. فقال: (فهل تجد إطعام ستين مسكينا). قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم. فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، والعرق المكتل، قال: (أين السائل). فقال: أنا. قال: (خذ هذا فتصدق به). فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟. فوالله ما بين لابتيها، يريد الحرتين، أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: (أطعمه أهلك).

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي عن عبد الله بن مغفل قال: قعدت إلى كعب بن عجره فسألته عن هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فقال: نزلت في، كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا! أما تجد شاة؟ قلت: لا. قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك. فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة

 وجعل لمن لا يستطيع الصيام لعلة لا يرجى برؤها أن يطعم مسكينا : قال تعالى : {أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}  [البقرة :184]

ووصل الأمر إلى الحث على الإطعام ولو بشق تمرة ؛ فقد أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".

وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة"

وجعلت زكاة الفطر طعاما فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما  عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النّاسِ. صَاعاً مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ. عَلَىَ كُلّ حُرَ أَوْ عَبْدٍ. ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ. مِنَ الْمُسْلِمِينَ

وقال ابن عمر أيضا تتمة للحديث : وكان يأمرنا أن نُخْرِجَها قبل الصلاة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَقْسمها قبل أن ينصرف إلى المصلّى، ويقول: أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم.

وفي رواية : كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن نصلي، فإذا انصرف قسمه بينهم وقال أغنوهم عن الطلب.

وفي رواية أخرى : أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم"

وفي رواية أخرى :  "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"

وجعل مقابل التمتع في الحج وكذلك كفارات الأخطاء الكبيرة في الحج هو ذبح الأضاحي وتوزيع لحومها على الفقراء ؛ قال تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي..} الايات

وقال تعالى  في سورة الحج : { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير }

وقال تعالى أيضا في سورة الحج : { {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}

وجعلت كفارات الحج هي ذبح الأضاحي وتوزيع لحومها على الفقراء ولا يجزيء في تصحيح كثير من الأخطاء المرتكبة في الحج إلا ذبح الأنعام وتوزيع لحومها على الفقراء ـ والفقراء فقط ـ ، كل ذلك لأسباب كثيرة منها رفع شأن الكرامة الإنسانية  عند أناس حط الفقر والمسكنة منها.

ووصل الأمر في سد جوع الإنسان أن الطعام قدم على الصلاة إذا لم يكن المرء قد قضى حاجته منه فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ  "رواه البخاري

و عن عائشة رَضيَ اللَّهُ عَنْها قالت سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان> رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وروى البخاري وغيره عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع عشاء أحدكم، وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه

والكلام في حق الإنسان في الطعام والشراب لا ينتهي ولعل النهي الصريح في ديننا عن الاحتكار لمن أعظم الأدلة على حرص هذا الدين العظيم على كل ما ينفع الإنسان ويحفظ له كرامته وحقوقه والتي من أهمها حقه في الحصول على طعامه وشرابه ؛ فقد وروى إبراهيم عن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء)

وقد عرف العلماء الاحتكار فقالوا : الاحتكار في الشرع هو إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه ، قاله الحافظ وقال الأحوذي في تحفته : وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب

عنْ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ فَضْلَةَ، قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِيءٌ

قال الحافظ في فتح الباري : وقد ورد في ذم الاحتكار أحاديث: منها حديث معمر المذكور وحديث عمر مرفوعا " من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس " رواه ابن ماجة وإسناده حسن، وعنه مرفوعا قال " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " أخرجه ابن ماجة والحاكم وإسناده ضعيف، وعن ابن عمر مرفوعا " من احتكر طماعا أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ منه " أخرجه أحمد والحاكم وفي إسناده مقال، وعن أبي هريرة مرفوعا " من احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ " أخرجه الحاكم وقال الألباني رحمه الله في السلسلة برقم3362 : إسناده حسن في الشواهد

 

Top