- 5080 زيارة

حرية السفر والانتقال والهجرة

قيم الموضوع
(0 أصوات)

حرية السفر والانتقال والهجرة

مبدأ السفر ربما يفرض نفسه على المرء لأسباب منها : البحث عن مكان أكثر أمناً يطمئن فيه المرء على دينه وماله وعرضه ، أو طلباً للرزق لتحسين الحالة المعيشية ، أو للسياحة والنزهة والترفيه عن النفس ، وكل هذه الأسباب وغيرها من الأسباب المتعارف عليها بين الناس أقرها الإسلام ترسيخاً لمبدأ الحرية الكاملة للإنسان وتعميقاً لمفهوم الكرامة .

**ففي معرض الحديث عن السفر لأجل سلامة الدين والمال والعرض ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء:97)

 

وقال تعالى : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} (النساء:100)

وما كانت هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة وكذلك الهجرة الكبرى إلى المدينة إلا حفاظاً على الكرامة الإنسانية وتأميناً لسلامة الدين ، بل اعتبرت الهجرة  في بدايات الإسلام ووقت الاضطهاد من لوازم الإيمان واعتبر  المتخلف عن الهجرة حينئذ بائساً كما قال ارسول صلى الله عليه وسلم في حق سعد بن خولة فقد روى البهاري ومسلم عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَىَ الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلَغَنِي مَا تَرَىَ مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاّ بنت لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ "لاَ"قَالَ قُلْتُ: أَفأَ تَصَدّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ "لاَ، الثّلُثُ، وَالثّلُثُ كَثِيرٌ، إنّكَ إنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفّفُونَ النّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللّهِ، إلاّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتّى اللّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فيّ امْرَأَتِكَ" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُخَلّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: "إنّكَ لَنْ تُخَلّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللّهِ، إلاّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلّكَ تُخَلّفُ حَتّىَ يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرّ بِكَ آخَرُونَ،

 اللّهُمّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلاَ تَرُدّهُمْ عَلَىَ أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ"،

قَالَ: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ تُوُفّيَ بِمَكّةَ

وكان المجتمع المسلم في المدينة يستوعب المهاجرين من جميع الجنسيات دون تمييز ، ولأن الأنصار لم يكونوا من من أهل اليسار والغنى فقد فتح المسجد لاستيعاب  الفقراء من أهل الصفة ، وتقاسم الأنصاري مع أخيه المهاجري  الدار والنال ومن كان له زوجتان طلق واحدة منهما ليتزوجها المهاجري

وارتفعت قيمة مفهوم الكرامة الإنسانية إلى القمة حيث كانت معاني الإيثار  واللمحبة والأخوة  تتجلى حقائق محسوسة جسدها القرآن في قوله تعالى { وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9)

 

وقبل مجتمع المدينة كل المهاجرين  من غير العرب وعوملوا كإخوانهم العرب تماماً وكان معيار تفضيل شخص على آخر هو معيار التقوى وحسن الخلق والتفاوت  في العمل الصالح وخدمة المسلمين

ومن أولئك الذين لم يكونوا من الأصول العربية ولكنهم نالوا كل التقدير والمحبة والاحترام : بلال الحبشي، وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وغيرهم

بلال الحبشي

فهذا بلال يخبره النبي صلى الله عليه بأعظم وأفضل خبر يسمعه بلال طيلة حياته ؛ يخبره بأنه في الجنة فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلاَلٍ، عِنْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ: "يَا بِلاَلُ حَدّثْنِي بِأَرْجَىَ عَمَلٍ عَمِلْتَهُ، عِنْدَكَ، فِي الإِسْلاَمِ مَنْفَعَةً. فَإِنّي سَمِعْتُ اللّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيّ فِي الْجَنّةِ". قَالَ بِلاَلٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً فِي الإِسْلاَمِ أَرْجَىَ عِنْدِي مَنْفَعَةً، مِنْ أَنّي لاَ أَتَطَهّرُ طُهُوراً تَامّا، فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ، إِلاّ صَلّيْتُ بِذَلِكَ الطّهُورِ، مَا كَتَبَ اللّهُ لِي أَنْ أُصَلّيَ

وأخرج البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا. يعني بلالا

 

وروى البخاري عن قيس:

أن بلالا قال لأبي بكر: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما أشتريتني لله، فدعني وعملي لله

ورواية كنز العمال أكثر تفصيلا وهي  عن قيس بن أبي حازم قال :  قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني وإن كنت إنما اشتريتني لله فذرني وعملي لله، فبكى أبو بكر وقال: إنما أعتقتك لله فاذهب فاعمل لله.

وذكر ابن سعد في " الطبقات " في هذه القصة من الزيادة " أنه قال رأيت أفضل عمل المؤمن الجهاد، فأردت أن أرابط في سبيل الله، وأن أبا بكر قال لبلال: أنشدك الله وحقي، فأقام معه بلال حتى توفي، فلما مات أذن له عمر فتوجه إلى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس

ومن الواضح أن ابا بكر لما قال لبلال : ( أنشدك الله وحقي ) كان رد بلال هو : إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما أشتريتني لله، فدعني وعملي لله

فكان رد أبي بكر هو البكاء على فراق بلال ثم قوله له : إنما أعتقتك لله فاذهب فاعمل لله

حينئذ اختار بلال البقاء مع أبي بكر اختيارا لا جبرا ثم لحق بالثغور في عهد عمر رضي الله عن الجميع

 

سلمان الفارسي أنموذج آخر

وهذا سلمان  يضرب لنا مثلاً عظيماً في البحث عن الذات والكرامة ؛ يروي الإمام أحمد في مسنده عن ‏ عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال:

-كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته أي ملازم النار كما تحبس الجارية وأجهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يوما فقال لي يا بني إني قد شغلت ف بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون

قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم: أين أصل هذا الدين قالوا: بالشام قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله قال: فلما جئته قال: أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت

قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا قال: فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال: فأخبروني بهم قال: فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين قالوا: الأسقف في الكنيسة قال: فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال: فادخل فدخلت معه قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء إكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم

بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا: وما علمك بذلك قال قلت: أنا أدلكم على كنزه قالوا: فدلنا عليه قال: فأريتهم موضعه قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه

قال: يقول سلمان فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه قال فأحببته حبا لم أحبه من قبله وأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان فهو على ما كنت عليه فالحق به قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به

قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له: يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته قال: فإنه على أمرنا قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال: أقم عندي فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة قال: ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفي يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل

قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجارا فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة فوالله إنني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت سأسقط على سيدي

قال: ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ماذا تقول قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال: ما لك ولهذا أقبل على عملك قال: قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال: فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل

قال: فقلت في نفسي هذه واحدة ثم إنصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئت به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال: فقلت في نفسي هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرته عرف إني أستثبت في شيء وصف لي قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس قال: فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجيبها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني

بالنخل الرجل بثلاثين ودية ( الودية : هي النخلة الصغيرة )والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر يعني: الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها ( أي احفر، والفقرة هي الحفرة في الأرض) فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي عليَّ المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال: ما فعل الفارسي المكاتب قال: فدعيت له فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما عليَّ ؟ قال: خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.‏

 

وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه أيما رفعة حينما يلحقه بأهل البيت فيجعل انتماءه له مباشرة وذلك في قصة الخندق

وأخرج البخاري والترمذي والدار قطني عن أبي جحيفة قال "آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك...؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال: كل فاني صائم قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نم، فنام ثم ذهب يقوم فقال: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا فقال له سلمان: أن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: صدق سلمان

قال في فتح الباري : قوله صلى الله عليه وسلم "صدق سلمان " أي في جميع ما ذكر، وفيه منقبة ظاهرة لسلمان.‏

 

ولهذا قيل :

لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه * فلا تترك التقوى اتكالا على النسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس * وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب

وقد ولاه عمر على المدائن

 

صهيب الرومي أنموذج ثالث :

ورد في كنز العمال : عن سعيد بن المسيب أن صهيبا أقبل مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعه نفر من قريش مشركون، فنزل فانتثل كنانته، فقال: قد علمتم يا معشر قريش أني أرماكم رجلا بسهم، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه ثم شأنكم بعد ذلك، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلوا سبيلي قالوا نعم، فتعاهدوا على ذلك، فدلهم، فأنزل الله على رسوله القرآن: [ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله] حتى فرغ من الآية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا قال: ربح البيع يا أبا يحيى، ربح البيع يا أبا يحيى، ربح البيع يا أبا يحيى، وقرأ عليه القرآن.

-وعن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة فإما أن تكون هجر وإما أن تكون يثرب".

قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر وكنت قد هممت أن أخرج معه وصدني فتيان من قريش،فجعلت ليلتي تلك أقوم ولا أقعد فقالوا: قد شغله الله عنكم ببطنه ولم أكن شاكياً فناموا فخرجت فلحقني منهم ناس بعد ما سرت يريدون ردي فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواق من ذهب وحلة سيراء بمكة وتخلون سبيلي وتوثقون [لي] ففعلوا فتبعتهم إلى مكة فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواق واذهبوا إلى فلانة بآية كذا وكذا فخذوا الحلتين،وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم [قباء] قبل أن يتحول منها فلما رآني قال: "يا أبا يحيى ربح البيع" ثلاثاً. فقلت: يا رسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل

وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السباق أربعة أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبش. حسنه العراقي في محجة القرب برقم 431

 

وها هو عمر يقدمه للصلاة مكانه وهو دليل عظيم على قيمته عند عمر رضي الله عنه

وحين طعن عمر قال لأهل الشورى : يحضركم عبد الله يعني ابنه وليس اليه من الأمر شيء يعني بل يحضر الشورى ويشير بالنصح ولا يولى شيئا وأوصى ان يصلي بالناس صهيب بن سنان الرومي ثلاثة ايام حتى تنقضي الشورى وان يجتمع اهل الشورى ويوكل بهم اناس حتى ينبرم الأمر ووكل بهم خمسين رجلا من المسلمين وجعل عليهم مستحثا ابا طلحة الأنصاري والمقداد بن الأسود الكندي وقد قال عمر بن الخطاب ما اظن الناس يعدلون بعثمان وعلى احدا انهما كانا يكتبان الوحي بين يدي رسول الله ص بما ينزل به جبريل عليه قالوا فلما مات عمر رضي الله عنه واحضرت جنازته تبادر اليها على وعثمان ايهما يصلي عليه فقال لهما عبد الرحمن بن عوف لستما من هذا في شيء إنما هذا الى صهيب الذي امره عمر ان يصلي بالناس فتقدم صهيب وصلى عليه نزل في قبره مع ابنه عبد الله اهل الشورى سوى طلحة فانه كان غائبا.

وقد جاء في الإصابة لابن حجر ترجمة وافية له نوردها كما هي :

صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل فنشأ صهيب بالروم فصار ألكن ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة فاشتراه عبدالله بن جدعان التميمي فأعتقه ويقال بل هرب من الروم فقدم مكة فحالف بن جدعان وروى بن سعد أنه أسلم هو وعمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ونقل الوزير أبو القاسم المغربي أنه كان اسمه عميرة فسماه الروم صهيبا قال وكانت أخته أميمة تنشده في المواسم وكذلك عماه لبيد وزحر ابنا مالك وزعم عمارة بن وثيمة أن اسمه عبدالملك ونقل البغوي أنه كان أحمر شديد الصهوبة تشوبها حمرة وكان كثير شعر الرأس يخضب بالحناء وكان من المستضعفين ممن يعذب في الله وهاجر إلى المدينة مع علي بن أبي طالب في آخر من هاجر في تلك السنة فقدما في نصف ربيع الأول وشهد بدرا والمشاهد بعدها وروى بن عدي من طريق يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب عن آبائه عن صهيب قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ويقال إنه لما هاجر تبعه نفر من المشركين فسئل فقال يا معشر قريش إني من أرماكم ولا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي ثم أضربكم بسيفي فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه فرضوا فعاهدهم ودلهم فرجعوا فأخذوا ماله فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربح البيع فأنزل الله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الل}ه وروى ذلك بن سعد وابن أبي خيثمة من طريق حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب في سبب نزول الآية [ص:451] ورواه بن سعد أيضا من وجه آخر عن أبي عثمان النهدي ورواه الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن بن عباس وله طريق أخرى ورواه بن عدي من حديث أنس والطبراني من حديث أم هانئ ومن حديث أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السباق أربعة أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبشة وسليمان سابق الفرس وروى بن عيينة في تفسيره وابن سعد من طريق منصور عن مجاهد أول من أظهر إسلامه سبعة فذكره فيهم وروى بن سعد من طريق عمر بن الحكم قال كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول وكذا صهيب

وأبو فائد وعامر بن فهيرة وقوم وفيهم نزلت هذه الآية ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا وروى البغوي من طريق زيد بن أسلم عن أبيه خرجت مع عمر حتى دخلت على صهيب بالعالية فلما رآه صهيب قال يا ناس يا ناس فقال عمر ماله يدعو الناس قلت إنما يدعو غلامه يحنس فقال له يا صهيب ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال أراك تنتسب عربيا ولسانك أعجمي وتكنى باسم نبي وتبذر مالك قال أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في الحق وأما كنيتي فكنانيها النبي صلى الله عليه وسلم وأما انتمائي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا فأخذت لسانهم ولما مات عمر أوصى أن يصلي عليه صهيب وأن يصلي بالناس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام رواه البخاري في تاريخه وروى الحميدي والطبراني من حديث صهيب من طريق الستة عنه قال لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره ولم يبايع بيعة إلا كنت حاضرها ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها ولا غزا غزاة إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله وما خافوا إمامهم قط إلا كنت أمامهم ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط حتى توفي ومات صهيب سنة ثمان وثلاثين وقيل

سنة تسع وروى عنه أولاده حبيب وحمزة وسعد وصالح وصيفي وعباد وعثمان ومحمد وحفيده زياد بن صيفي وروى عنه أيضا جابر الصحابي وسعيد بن المسيب وعبدالرحمن بن أبي ليلى وآخرون قال الواقدي حدثني أبو حذيفة رجل من ولد صهيب عن أبيه عن جده قال مات صهيب في شوال سنة ثمان وثلاثين وهو ابن سبعين.‏

·        نستنتج مما سبق أن صهيباً كرم تكريما خاصا من الرسول r فقد قال له : ربح البيع أبا يحي" وعاش عزيزا كريما بين الصحابة  وصار له مال كثير  والدليل على ذلك ما اعتقده عمر من أن إنفاق  صهيب لماله على الفقراء بهذه الطريقة السخية فيه نوع من الإسراف 

·        كما كرم من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عندما أمر بأن يصلي صهيب بالناس

وهذا  إن دل على شيء فإنما يدل على تقدير الإسلام لكرامة الإنسان وأن من وفد على المجتمع المسلم ينال من الحقوق والرعاية مثل ما ينال المواطن القاطن في ذلك المجتمع حيث لا اعتبار للون  أو جنس أو عرق فهذا فارسي وذاك حبشي والآخر رومي منهم  الأبيض ومنهم الأسود ومنهم الأحمر ، فكان الاعتبار الوحيد للعمل الصالح وتقوى الله وخدمة الآخرين من بني الإنسان .

* ولم يُمنع الوافدون الجدد على المدينة المنورة  ( المهاجرون ) من تحسين شؤونهم المالية وأحوالهم الاقتصادية  وأمورهم المعيشية والحياتية ، بل تركت الفرصة متاحة والمجال مفتوحاً أمام كل ذي قدرة على المزيد من التكسب وطلب الرزق الحلال ، وها هو عبد الرحمن بن عوف  يأتي إلى المدينة مهاجراً تاركاً ماله وداره التي كان يملكها في مكه مؤثراً الله ورسوله على حطام الدنيا- ها هو يستقبل عرضا من أخيه في الله سعد بن الربيع باقتسام المال وتطليق إحدى الزوجتين ولكن عبد الرحمن  يرفض ذلك ويقول  لأخيه : بارك الله لك في أهلك ومالك ولكن دلني على السوق ..وينطلق عبد الرحمن إلى السوق  يضرب في الأرض يبتغي من رزق الله فآتاه الله الكثير والكثير وصار من أغنى أغنياء المدينة.... وإليكم القصة بنصها: روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال:

قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق،(وفي رواية : هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق بني قينقاع ) ، فربح شيئا من أقط وسمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم يا عبد الرحمن). قال: يا رسول الله، تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (فما سقت فيها). فقال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أولم ولو بشاة).

وفي رواية ابن سعد " فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا وقال: لي امرأتان وأنت أخي لا امرأة لك، فأنزل عن إحداهما فتتزوجها، قال: لا والله، قال: هلم إلى حديقتي أشاطركها، قال فقال: لا

وفي لفظ " فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها "

وفي رواية معمر عن ثابت " قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف".

قال الحافظ ابن حجر معلقاً على أثر أنس : مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف، وهذا بالنسبة لتركة الزبير قليل جدا، فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم لأن كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جدا.

هكذا تمتع المهاجرون بكرامتهم ولم يُساوَموا على ما قُدِّمَ لهم ثمناً لإيوائهم بل أُعطوا فرصتهم كاملة للاستمتاع بتلك القيمة العظيمة – قيمة كرامة الإنسان-.

 

** أما عن حرية السفر والانتقال طلباً للرزق وتحسين الحالة الاقتصادية والحياتية ؛ فقد شرع الإسلام ذلك بل حث عليه ؛ قال تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } [ الملك : 15 ]

وعن الزبير بن العوام رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف اللَّه بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه> رَوَاهُ البُخَارِيُِّ

وحث على السير في الأرض للتدبر في آلاء الله مما ستكون نتيجته –حتماً- الارتقاء بمستوى الفكر الإنساني والذي سيتبعه ارتفاع الأحوال المعيشية والنهوض بكرامة الإنسان ؛ قال تعالى : قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير} [ العنكبوت: 20- ]

وجاء الأمر والحث  على التدبر والاعتبار والتفكر والتبصر ، قال تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار. }

وقال تعالى : { ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}

وقال  تعالى : { فابتغوا عند الله الرزق  }

الآية: 66 {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما}  الاسراء

وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون

وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون

{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون، ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } [ سورة الروم الآية: 46]

 

{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}

وقال تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله }

قال القرطبي في تفسيره تعليقاً على الآية السابقة : سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله. وروى إبراهيم عن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" وقال ابن مسعود: أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء. وقرأ "وآخرون يضربون في الأرض" الآية. وقال ابن عمر: ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إلي من الموت بين شعبتي رحلي، أبتغى من فضل الله ضاربًا في الأرض.

وقال تعالى : { وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}

الآية: 31 {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.

وقال الحسن: مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء

وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وفي السماء رزقكم وما توعدون}

* ولم يمنع الإسلام حرية السفر للترفيه عن النفس والتجوال في البلاد ، بل رشدها وجعل من الإمكان الاستفادة من هذا التجوال في أرض الله وتوظيفه ليصبح عبادة يثاب عليها الإنسان إذا قرنها بالتدبر والاعتبار والتبصر والتفكر في آيات الله وعجائب خلقه وبديع صنعه تبارك وتعالى

قال تعالى :

الآية: 63 {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير}

وقال –عز من قائل- : (والله جعل لكم الأرض بساطا. لتسلكوا منها سبلا فجاجا)

وقال تعالى: "الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون" [الزخرف: 10]

ومن هذه التوجيهات الربانية يستطيع الإنسان الفهم بسهولة أنه يمكنه الاستمتاع بحرية السفر والانتقال في أرض الله بالإضافة إلى نيل الأجر والثواب من الله

قال تعالى : "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم"

 

Top