- 1527 زيارة

قبس من الطب النبوي .....مدخل تمهيدي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

قبس من الطب النبوي .....مدخل تمهيدي

هذا مدخل تمهيدي نسرد فيه بدايات أولية في الحديث عن الطب النبوي مراعين في ذلك الدقة العلمية وعدم الاندفاع منوهين على أن حديثنا هنا ليس مقصودا به الحديث عن الإعجاز العلمي الطبي في القرآن وإن كنا قد نحتاج إلى الاستعانة بشيء منه في بعض حديثنا ، ونؤكد مرة أخرى أن هذا الحديث هو حديث أولي في هذا الموضوغ البالغ من الأهمية أقصاها والذي نشرف أن نكون ممن ينسبون إلى من تحدثوا وكتبوا فيه

لعل بعض من يقرأ المقالات والكتب والأطروحات حول الطب النبوي يعتقد أن الهدف منها هو صرف الناس عن التداوي والاستفادة من الطب الحديث ، حاشا وكلا بل الطب النبوي وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم تأمر بالتداوي والاستعانة بما هو مفيد ونافع من الأدوية والوسائل العلاجية ما لم تكن حراما.

وإليكم بعض القواعد في هذا الشأن نسردها مع إيراد أدلة مختصرة على كل قاعدة :

1-                       ضرورة اعتقاد أن النعمة و البلاء والصحة والمرض كلها من عند الله : فيجب على المسلم أن يوقن أن كل ما أصيب به الإنسان هو من تقدير الله وداخل في علم الله وتحت مشيئته وتقديره ، قال تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ، وقال عز من قائل : { ‏وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين‏}

2-                       ضرورة اعتقاد أن مسألة شفاء المريض مسألة لا تعجز الله القهار القوي ، قال تعالى : {‏ وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً‏} ولكن المرض والابتلاء إنما هما لحكمة بالغة يعلمها هو سبحانه ونحن نفهم بعضا من حكمة الله في الابتلاء فربما كان هذا الابتلاء لرفع درجات المؤمن أو للتكفير عن خطاياه أو لمنعه من ارتكاب آثام عظيمة كان سيقدم عليها لو كان ممتعا بكامل صحته فمن الناس من يكون الابتلاء رحمة لهم ، وهو للكافر عقاب في الدنيا قبل الآخرة وربما يكون فرصة له لإعادة النظر في طريقة حياته فيقبل مسلما على الله وقد حدث من هذا الكثير من الحالات.

3-                       ضرورة اعتقاد أن الشفاء من الأمراض إنما هو من الله تبارك وتعالى وما الأدوية والأطباء إلا اسباب فقط قال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: { وإذا مرضت فهو يشفين}

4-                       ضرورة اعتقاد أنه ما من داء وإلا وله دواء إلا الهرم والموت وأن ديننا يأمرنا بالتداوي والبحث عن كل علاج ناجع للمرض فقد تكرر الأمر بالتداوي ، وعلى وجه الخصوص تكررت لفظة ( تداووا) حوالي 55 مرة في كتب السنة على اختلاف درجات أحاديثها ، ومما جاء في ذلك ما رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن اسامة بن شريك قال : قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداو؟ قال : نعم يا عباد الله تداووا ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء – أو دواء – إلا داء واحدا ، فقالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم

5-                       ضرورة التأكيد على عدم التداوي بمحرم : فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام . رواه أبو داود وسكت عنه فهو حسن عنده وهناك أحاديث أخرى مثل حديث أم سلمة رضي الله عند ابن حبان بسند صحيح : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.

6-                       ضرورة فهم ألفاظ اللغة العربية ومقاصداأألفاظ اللغة العربية ومقاصدها على النحو الصحيح فبعض الألفاظ التي وردت في أحاديث الشفاء مثل عبارة : (شفاء من كل داء ) وما شابهها تفيد أن ذلك على الغالب لا على الإطلاق لأن الواقع يؤيد ذلك ولو كان الشفاء من كل داء بدواء واحد لارتاح الناس جميعا وما بقي على وجه الأرض من مرض.

7-                       العلاجات والأدوية التي نصت عليها السنة الصحيحة الثابتة أنها شفاء هي رؤؤس الأدوية التي يمكن أن تستخدم بطرق مختلفة وجرعات مختلفة ولمدد زمنية تتفاوت حسب طبيعة وشدة كل داء وليس الأمور بتلك البساطة التي يعتقدها البعض ولعل حديث ( اسقه عسلا ) يوضح ذلك بالنسبة لموضوع الجرعات والمدد الزمنية للتداوي ، ففي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": اسقه عسلا " فسقاه . ثم جاءه فقال : إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا . فقال له ثلاث مرات . ثم جاء الرابعة فقال: " اسقه عسلا " فقال : لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله . وكذب بطن أخيك " فسقاه فبرأ .

8-                       يجب فهم حديث الشفاء في ثلاثة: (الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنا أنهى أمتي عن الكي ) على النحو التالي وهو أن رؤوس أنواع الشفاءات والتداوي هي على هذه الثلاثة وليس معنى ذلك أن الشفاء مقتصر على هذه الثلاثة فقط وهذا هو كلام أهل العلم في هذه المسألة ، كما نحب أن نسرد قولا لطيفا في هذه الأنواع الثلاثة فالمتبصر في طرق العلاج يعلم أن رؤوس أنواع العلاج هي في الدوائيات وهذه يجبها قوله صلى الله عليه وسلم ( شربة عسل ) فهذه رمز للأدوية والأشربة ثم الجراحات وهذه يجبها قوله : ( شرطة محجم ) فالشرطة تعبر عن التدخل الجراحي ثم يأتي النوع الحديث الثالث وهو الكي بسائر أنواعه كالعلاجات بالليزر وغيره وهذه يشملها ويعبر عنها قوله ( أو كية بنار )

9-                       يجب الفهم جيدا أن ديننا يحث على البحث العلمي عن كل جديد في عالم الشفاء والعلاج وليس دينا منغلقا يتوقف عند رصيد معين ثابت من العلاج والادوية والدليل على ذلك هو استثارة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة في البحث وطلب العلم في مسألة التداوي فقد قال صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله داء إلا قد أنزل له شفاء ( وفي روايات أخرى) : (دواء )- علمه من علمه وجهله من جهله

10-                 هناك فرق بين لفظة الشفاء ولفظة العلاج ولفظه الدواء فالتداوي واجب أما النتيجة فهي بين أمرين إما العلاج وإما الشفاء حيث نقصد بالشفاء التخلص الحاسم من المرض ونقصد بالعلاج التعايش الأفضل مع المرض والتخفيف من آلامه وآثاره ومنع أو تقليل مضاعفاته فكل شفاء علاج وليس كل علاج شفاءاَ ، فيجب الفهم بأن بعض الأمراض قد تبقى وتدوم مع الإنسان طيلة حياته وليس بالضرورة أن يشفى المرء منها بالكلية ( وهي ما تسمى في مصطلحات الطب الحديث بالأمراض المزمنة ) فبعض الأمراض لها علاج يساعد على التعايش معها ويخفف من آلامها ولم يعرف لها – في الوقت الحاضرعلى الأقل – شفاءا حاسما ونقول لم يعرف لأن الدواء المؤدي إلى الشفاء موجود وقد أنزله الله لكننا نحن الذين لم نعرفه ، وحينئذ يحتاج هذا الصبر على التعايش مع المرض إلى دراية وفقه ويقين بموعود الله للمريض الصابر بثواب الله العظيم ، ولعل قصة المرأة التي كانت تصرع هي أكبر دليل على ذلك ففي الصحيحين عن عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها.

11-                 ينبغي على كل مريض يتعايش مع مرضه المزمن ألا يكل أو يمل من طلب البحث عن الجديد في الطب فما كان بالأمس غائبا عن علم البشر من الأطباء هو اليوم من المعلومات والمسلمات البديهية وكذلك الأمر في الغد.

12-                 ينبغي الفهم بأن المرض نوعان مرض البدن ومرض القلب وكلاهما يحتاج إلى اللجوء الى الله تبارك وتعالى وطلب الشفاء والمعافاة والبحث عن طرق التداوي المثلى والتي منها أدعية الشفاء والتداوي والرقية الشرعية والتداوي بالأدوية النافعة على تفصيل بين النوعين ليس هذا محله الآن .

هذا بعض ما فتح به الله علينا تقدمة وتوطئة لموضوع الطب النبوي ، نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه

 

Top