- 7436 زيارة

الصيام ومريض السل الرئوي

بقلم الدكتور عصام محمد عبده

هل يمكن لمريض السل الرئوي أن يصوم؟

للإجابة عن هذا التساؤل نود أن نشير إلى هذه المقدمة عن مرض السل حيث  تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية والمراكز البحثية  المهتمة بمرض السل إلى أن السل كان سببا في وفاة 200 مليون شخص منذ عام 1882م

وحتى اليوم يصاب بعدوى السل شخص واحد على الأقل كل أربع ثوان ، كما تشير الإحصاءات إلى أنه يموت بسبب السل شخص واحد كل عشر ثوان.

كما يصاب بعدوى السل 1% من سكان العالم سنويا. ،ولا يزال السل يقتل ما بين مليونين وثلاثة ملايين شخص سنويا

انتشار مرض السل في عام 2000

الصورة مأخوذة عن www.die-reisemedizin.de

ومريض السل الرئوي له أحوال مختلفة منها الحالة الحادة ومنها الحالة المزمنة.

فأما النوع الأول:  وهو الذي يمثل الحالة الحادة فهي تمثل فترة النشاط للبؤرة الدرنية ( tuberculus focus active)  وفيها يصاب المريض بنزيف شديد من الرئة ويبصق دما (haemoptysis) وفي هذه الحالة يكون المريض في أسوأ أحواله الصحية ولا يمكنه الصيام بأي حال من الأحوال مهما كان عمره أو حالته الصحية قبل المرض لأنه سيحتاج إلى حشد من العلاجات والمضادات والسوائل والمحاليل ونقل الدم ..الخ

عصيات ميكروب السل

الصورة مأخوذة عن  www.courses.ahc.umn.edu/ medical-school

 

* وبعد تخطي هذه المرحلة الحرجة يخضع المريض لفترة علاج قد تصل إلى 6 أشهر أو أقل قليلاً أو أكثر قليلاً حسب توليفة مضادات الدرن التي ستناسب حالته وحسب توافقه معها  - هذه التوليفة من المضادات سيحتاج معها المريض أيضاً إلى الإفطار والتغذية لأنها ترهق البدن إلى حد كبير ، كما يحتاج فيها المريض إلى رفع مقاومة جسمه ولهذا فينصح المريض بالإفطار أيضا  في تلك المرحلة التي تعقب النوبة الحادة الأولى، حتى ينتهى من العلاج تماماً ويثبت شفاؤه الكامل من ميكروب الدرن. وعليه فإن المريض يمكنه بعد ذلك قضاء ما فاته من أيام الإفطار سواء كان هذا في نفس العام أم في العام الذي يليه ؛ قال الله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: من الآية185)

أما النوع الثاني فهو النوع المزمن المستقر:  وهو الذي لم ُيقْضَ فيه على الميكروب تماماً لكنه تكيس أو تحوصل أو صار في مرحلة من الكمون والخمول  الذي يمكن أن يتحول في حالات الضعف المفاجئ  والشديد مرة ثانية إلى بؤرة منشطة قد تعود بالمريض إلى سابق عهده من أطوار المرض الحادة ، ولكنه في الأحوال المعتادة مستقر ويمكنه الصيام طالما لم يحس بالضعف أو لم يرَ دماً ن وطالما كان تحت المراقبة الطبية و كانت التحاليل المخبرية في صالح مبدأ الصيام ، وبالطبع هذا القرار يتخذ بعد مشورة الطبيب المسلم المخلص الأمين المتابع لحالة ذلك المريض خطوة بخطوة.

السعال المستمر صورة ملازمة لمريض السل

الصورة مأخوذة عن www.who.int

*  فإذا صام المريض في هذه الحالة وكانت الأمور مستقرة معه فلا بأس بمواصلة الصيام ولكن بمجرد الإحساس بعودة نشاط البؤرة الدرنية أو الإحساس بأي نوع من التدهور في الصحة العامة للمريض يجب عليه أن يتوقف فوراً عن الصيام إلى حين استعادة صحته ونشاطه ثم يقضي أياما بدل التي أفطرها.

 

* وأما إذا كانت حالة المريض من النوع المزمن ولكن الخارج عن السيطرة بسبب ضعف المريض أو كبر سنه أو لوجود أمراض أخرى مصاحبة لمرض السل وعَلِمَ المريض من خلال مشورة طبيبه أن الصيام يتعذر معه على الدوام فهو حينئذ في حكم الذي لا يتحمل الصيام لأن الله تعالى قال: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) (البقرة: من الآية184)

 

* وينبغي الإشارة هنا إلى أن حب المسلم للصيام واندفاعه العاطفي نحو مشاركة إخوانه المسلمين صيامَهم في شهر رمضان قد يدفع كثيراً من مرضى السل الرئوي إلى التعجل في الحكم على أنفسهم بتمام الشفاء كي يدركوا صيام الشهر مع عموم المسلمين، ولذا لَزِمَ التنبيه على أن البؤرة الدرنية تبقى كامنة حتى تحين لحظة يضعف فيها الجسم وتقل مقاومته فتعود البؤرة الدرنية للنشاط مرة ثانية ؛ ولذا فينبغي التأكيد على ضرورة استشارة الطبيب المسلم الماهر قبل أن يتخذ مريض السل الرئوي قراره بالصيام حتى لا يتسبب في الإضرار بنفسه من حيث يظن أنه ينفعها

ولعل هذا ما جعل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله  يفتي في وقته وزمانه بهذه الفتوى والتي سأوردها بنصها ثم أعلق عليها بعد تمامها:

يقول سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله رداً على فتوى كان نصها :

(نحن مصابون بالدرن الرئوي ونقدر على الصوم لكن الاطباء يمنعوننا؟ فما الحكم؟)

-فكان الرد : [ من أطاق الصيام منكم فلا بأس ، والأولى الفطر ما دمتم مرضى، ولا فرق بين من هو في مبدأ المرض أوأثنائه أو في أخرياته أو في أول البدء ويخشى عليه منه، لعموم الآية الكريمة «فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من ايام أخر» مع النظر إلى علة إباحة الفطر المذكور في الآية، وهو إرادة اليسر وعدم إرادة العسر وحيث كانت هذه المسألة لها أطراف فلا بد من كتابة جواب فيما بعد يكمل تمامها. وليس على من كانت عليه أيام من رمضان وأفطرها وهو مريض، ليس عليه إذا عوفي وقوي على الصيام أكثر من القضاء اذا لم يؤخره عن عام البرء إلى أن يدخل عليه رمضان، فإن أخره إلى رمضان فعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم.] أ.هـ كلام الشيخ رحمه الله

وعلى أي حال فإن علاجات السل تحسنت كثيرا والإحصائيات المرعبة التي كانت تكتب عن السل بدأت في الانحسار والأيام القادمة تعطي مزيداً من الأمل لمرضى السل طالما توجهت ميزانيات الدول إلى الدواء والشفاء بدلاً من الحروب والدمار.

 

Top