طباعة هذه الصفحة
- 20488 زيارة

نقل الدم وتحليل الدم

يطرح هذا التساؤل كثيرا : ما هو حكم نقل الدم وكذلك سحب الدم للتحليل؟

دعونا نبدأ بسحب الدم للتحليل  فما الذي يحدث  عند سحب الدم للتحليل؟ الذي يحدث هو مجرد دخول إبرة إلى وريد ثم سحب بضعة سنتيليترات من الدم، فمن الواضح أن الصائم لا يفطر بهذا وكما بينت سابقا أن معظم هذه الأمور الخلافية قد ذُكِرَ فيها الرأيان اللذان هما المنع والإباحة ولكننا ننهج نهج من يرى وجوب تضييق دائرة المفطرات؛ فحياة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك صحابته رضوان الله عليهم كانت مليئة بأيام الصيام فكيف كانوا يصومون بين كل هذه القيود؟!! ولذلك نحن نقول بجواز أخذ عينة من الدم للتحليل وهو ما يسمى بسحب الدم أو أخذ صورة عد دم أو برواز الدم كما يقال في بعض البلدان. إلا إذا أدى ذلك إلى إضعاف للبدن وهذا احتمال ضعيف فإن المريض إذا أدرك ضعفاً  بسبب عملية سحب الدم وجب عليه أن يفطر حفاظاً على نفسه

 

الصورة مأخوذة عن موقع www.osfstfrancis.org

 

نقل الدم يختلف عن تحليل الدم

وهذه فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث سأل السائل قائلاً: ما حكم من سحب منه دم وهو صائم في رمضان وذلك بغرض التحليل ومقداره (برواز) متوسط؟

فأجاب رحمه الله: مثل هذا التحليل لا يفسد الصوم بل يعفى عنه لأنه مما تدعو الحاجة إليه وليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع المطهر.

 

وهذه فتوى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في هذه المسألة حيث قال رحمه الله: سحب الدم بكثرة إذا كان يؤدي إلى ما تؤدي إليه الحجامة من ضعف البدن واحتياجه للغذاء، حكمه كحكم الحجامة، وأما ما يخرج بغير اختيار الإنسان مثل أن تجرح الرجل فتنزف دماً كثيراً فإن هذا لا يضر؛ لأنه بغير إرادة الإنسان.

 

وماذا عن نقل الدم أو التبرع بالدم؟

التبرع بالدم يصاحبه فقد كمية كبيرة من الدم ، والكلام عليه يكون من طرفين، الطرف الأول: المُعطي (donator) والطرف الثاني: المستقبِل: recipient

أما الطرف الأول وهو المعطي: الذي يفقد كمية من دمه فهو يفطر قياساً على الحجامة عند رأي الكثير ممن يرَوْنَ الإفطار بالحجامة ولكن يرى البعض أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) أن إفطار المحجوم مبني على تحقق الضعف بسبب فقد الدم وإن لم يتحقق الضعف فلا إفطار ولكن يبقى نص الحديث ركيزة قوية لمن يرَوْنَ الإفطار بالحجامة لأن النص جاء به، والمتبرع بالدم يفقد أكثر مما يفقده المحجوم ولا شك وعليه نرى رأي من يقول بأن التبرع بالدم يفطر، وله أن يأكل ويشرب بعد إفطاره بقية يومه.

ولكن إذا كانت كمية الدم قليلة فيمكنه أن يستمر في صومه ما لم يضعف لأنه في حكم من سحب منه دم للتحليل وهذه فتوى فضيلة الشيخ ابن جبرين في هذه الجزئية: حيث سئل الشيخ عن التبرع بالدم في نهار رمضان هل هو جائز أم يفطر؟ فأجاب فضيلته قائلا:
إذا تبرع بالدم فأخذ منه الكثير فانه يبطل صومه قياساً على الحجامة وذلك أن يجتذب منه دم من العروق لإنقاذ مريض أو للاحتفاظ بالدم للطوارئ، فأما إن كان قليلاً فلا يفطر كالذي يؤخذ في الإبر والبراويز للتحليل والاختبار.

أما الطرف الثاني وهو المستقبِل: فيفطر أيضا لأن ما ضخ في جسمه من دم هو كالأكل والشرب أو ما يقوم  مقام الأكل والشرب إذ أن مآل الأكل والشرب هو إلى الدم، والذي ينبغي الإشارة إليه أن المحتاج لنقل دم يكون عادة في وضع صحي حرج ومن المعتاد في مثل تلك الأحوال أن يخضع لعلاجات أخرى تستلزم إفطاره.

وعن حكم التبرع بالدم أثناء فترة الصيام سئل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله) بسؤال: ما حكم التحليل للصائم والتبرع بالدم أيضا؟
الجواب: التحليل للصائم يعني أخذ عينة من دمه لأجل الكشف عنها والاختبار لها جائز ولا بأس به. وأما التبرع بالدم: فالذي يظهر أن التبرع بالدم يكون كثيراً فيعطي حكم الحجامة ، ويقال حينئذ للصائم: لا تتبرع بدمك إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك فلا بأس بهذا، مثل لو قال الأطباء: إن هذا الرجل الذي أصابه النزيف إن لم نحقنه بالدم الآن مات ووجدوا صائماً يتبرع بدمه، وقال الأطباء: لابد من التبرع له الآن، فحينئذ لا بأس للصائم أن يتبرع بدمه ويفطر بعد هذا ويأكل ويشرب بقية يومه لأنه أفطر للضرورة كإنقاذ الحريق والغريق.

وحسب ما أورده موقع المنبر عن خطبة عن الصوم وأحكامه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله  في الجامع الكبير بمدينة عنيزة (وبهذه المناسبة أشير إلى فقه ذلك العالم الفذ الذي فقدته الأمة حيث كان من فقهه عدم الاكتفاء في الخطب بالمواعظ بل كان يرى أنه من الضروري أن يسمع كل من أتى لصلاة الجمعة حديثا شاملاً جامعاً عن الصيام وأحكامه وعن ما يفسد الصيام وما لا يفسده) قال الشيخ رحمه الله في خطبته فيما يختص بموضوعنا:

[فأما أخذ الدم من البدن للفحص فلا يفطر لأنه يسير ولا يؤثر على البدن تأثير الحجامة ولا يفطر بخروج الدم بالرعاف ونحوه لأنه بغير اختياره، ولا يفطر بخروج الدم من قلع السن أو الضرس لأنه غير مقصود لكن لا يبلع لأن بلع الدم حرام على الصائم وغيره، ولا يفطر بشق الجرح لإخراج القيح منه ولو خرج منه دم، فأما سحب الدم من الصائم ليحقن في شخص آخر محتاج له فإنه يفطر لأنه كثير يؤثر على البدن كما تؤثر الحجامة ، وعلى هذا فلا يجوز لمن صومه واجب أن يُمَكِّنَ من سحب الدم منه إلا أن يكون لشخص مضطر لا يمكن صبره إلى الغروب ويرجى انتفاعُه بهذا الدم فله أن يُمَكِّنَ من سحب الدم منه لهذا المضطر ويأكل ويشرب ويقضي يوما مكانه] أ.هـ