- 6897 زيارة

أقسام المرضى مع الصيام

 أقسام المرضى مع الصيام

بقلم الدكتور عصام محمد عبده

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فقد قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {183} أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرلَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {184} شَهْرُرَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىوَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَفَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَاهَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة : 183-185

فالمرضى أقسام وهم ليسوا سواءً فمنهم من مرضه مرض طارئ يرجى برؤه ومنهم من مرضه ملازم له لا يرجى برؤه لطول دوامه أو لشدته وثقله ، ومن الأمراض ما هو طارئ ولكنه شديد لا يتحمل صاحبه الصيام معه  ومن الأمراض ما هو مزمن ولكنه يتحمل ، كما أن الناس يختلفون فمنهم من يتحمل الصيام حال مرضه مع نوع من المشقة ومنهم من ليس كذلك وعليه فإننا نورد تقسيما لفضيلة الشيخ  محمد بن عثيمين رحمه الله ونرتضي هذا التقسيم وهو على النحو التالي :

أولاً : المريض الذي يرجى برء مرضه:

وله ثلاث حالات:

أحدهما: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم لأنه ليس له عذر يبيح الفطر.

الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضره، فيفطر.

لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185].

ويكره له الصوم مع المشقة؛ لأنه خروج عن رخصة الله تعالى وتعذيب لنفسه.

وفي الحديث: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» رواه أحمد (2/108) وابن حبان (2742) وابن خزيمة (950) من حديث ابن عمر رضي الله عنهماوهوصحيح.
أخرجه ابن ماجه والحاكم، قال النووي: "وله طرق يقوي بعضها بعضاً". حديث صحيح: أخرجه أحمد (5/326)، (327) وابن ماجه (2340) من حديث عبادة بن الصامت  وفي إسناده ضعف إلا أن للحديث شواهد وطرق يرقى بها للصحة ولذا صححه الألباني في "إرواء الغليل" (896).

 

الحالة الثالثة: أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر ولا يجوز له الصوم.

لقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء: 29].

وقوله تعالى:(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لنفسك عليك حقاً» رواه البخاري (1968).

ومن حقها: أن لا تضرها مع وجود رخصة الله سبحانه.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»  أخرجه ابن ماجه والحاكم، قال النووي: "وله طرق يقوي بعضها بعضاً". حديث صحيح: أخرجه أحمد (5/326، 327) وابن ماجه (2340) من حديث عبادة بن الصامت  وفي إسناده ضعف إلا أن للحديث شواهد وطرق يرقى بها للصحة ولذا صححه الألباني في "إرواء الغليل" (896).

وإذا حدث له المرض في أثناء رمضان وهو صائم وشق عليه إتمامه: جاز له الفطر لوجود المبيح للفطر.

وإذا برئ في نهار رمضان وهو مفطر: لم يصح أن يصوم ذلك اليوم، لأنه كان مفطراً في أول النهار، والصوم لا يصح إلا من طلوع الفجر.

ولكن هل يلزمه أن يمسك بقية يومه؟

فيه خلاف بين العلماء:

فقال بعضهم: يجب عليه أن يمسك بقية اليوم احتراماً للزمن، ويجب عليه القضاء أيضاً لعدم صحة صوم ذلك اليوم ، وهذا المشهور من مذهب أحمد رحمه الله.

وقال بعض العلماء: لا يجب عليه أن يمسك بقية ذلك اليوم؛ لأنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً لوجوب القضاء عليه، وحرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له أول النهار ظاهراً وباطناً.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "ومن أكل أول النهار فليأكل آخره".

أي: من حل له الأكل أول النهار بعذر حل له الأكل آخره، وهذا مذهب مالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد.ولكن لا يعلن أكله ولا شربه لخفاء سبب الفطر فيُساء به الظن أو يقتدى به.

وإذا ثبت بالطب أن الصوم يجلب له المرض أو يؤخر برؤه: جاز له الفطر محافظةً على صحته واتقاءً للمرض ، فإن كان يرجى زوال هذا الخطر: انتظر حتى يزول ثم يقضي ما أفطر، وإن كان لا يرجى زواله فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.

ثانياً : المريض العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يرجى زواله:

كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كصاحب "السرطان" ونحوه، فلا يجب عليه الصيام؛ لأنه لا يستطيعه.

وقد قال الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) [البقرة: 286].

لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله سبحانه جعل الإطعام معادلاً للصيام حين كان التخيير بينهما أول ما فرض الصيام، فتعين أن يكون بدلاً عن الصيام عند العجز عنه؛ لأنه معادل له.

ويخير في الإطعام بين: أن يُفرِّقَه حباً على المساكين لكل واحدٍ "مُدُّ" من البر ربع الصاع النبوي، ووزنه – أي المد – "نصف كيلو وعشرة غرامات" بالبر الرزين الجيد.

وبين: أن يصلح طعاماً فيدعو إليه مساكين بقدر الأيام التي عليه.

قال البخاري رحمه الله: "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعدما كبر عاماً أو عامين كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً وأفطر. رواه البخاري.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً. رواه البخاري (4505).

ويلحق بالكلام على المريض من كان فاقداً للعقل :

فلا يجبُ عليه الصيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

ولا يصح منه الصيام؛ لأنه ليس له عقلٌ يعقل به العبادة وينويها. والعبادة لا تصح إلا بنيةٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى...» البخاري (6689) ومسلم (1907) (155) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحديث.

فإن كان عقله يذهب أحياناً ويفيق أحياناً: لزمه الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه، وإن جن في أثناء النهار لم يبطل صومه كما لو أغمي عليه بمرضٍ أو غيره؛ لأنه نوى الصوم وهو عاقل بنيةٍ صحيحةٍ ولا دليل على البطلان خصوصاً إذا كان معلوماً أن الجنون ينتابه في ساعاتٍ معينةٍ.

وعلى هذا: فلا يلزم قضاء اليوم الذي حصل فيه الجنون.

 وإذا أفاق المجنون أثناء نهار رمضان: لزمه إمساك بقية يومه؛ لأنه صار من أهل الوجوب، ولا يلزمه قضاؤه كالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم.

أما العجوز الهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه فلا يجب عليه الصيام ولا الإطعام عنه؛ لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه، فأشبه الصبي قبل التمييز.

فإن كان يميز أحياناً ويهذي أحياناً: وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه والصلاة كالصوم لا تلزمه حال هذيانه وتلزمه حال تمييزه.

 

Top