Super User

أبو الحارث

اسمه ونسبته وكنيته:

الليث بن خالد، أبو الحارث، البغدادي، وقيل المروزي.

 وقد جاء في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار : الليث بن خالد أبو الحارث البغدادي المقرئ  ذو العلم المروي ، والفهم الموري  ، لا يوصف باع من نكل عنه بالقصور، ولا يطاق منه مغالبة الليث الهصور ، لا تكشف عن مجادلته المباحث، ولا تقتحم عليه غابته وهو الليث وهو أبو الحارث، تقدّمه آفاق العراق حيث تعدّ جلتها، وتنقع أكناف بغداد به من ما لا يبل إدامه دجلتها، وكان صاحب الكسائي، والمقدم من بين أصحابه

مكانته وعلمه:

أحد رواة القُرَّاء السبعة، الإمام المقرئ، الثِّقَة الثَّبْتُ، الضَّابط الحَاذِق، من كبار المقرئين ببغداد، تصدَّر للإقراء ببغداد، وحمل النَّاس عنه، وهو صاحب علي بن حمزة الكسائي، والمُقدَّم في الأداء من بين أصحابه.

 

شيوخه في القراءة:

قرأ أبو الحارث على: أبي الحسن علي الكسائي، وسمع الحروف من حمزة بن القاسم الأحول، وأبي محمد يحيى اليزيدي.

 

رواة القراءة عنه:

روى عنه: سلمة بن عاصم صاحب الفرَّاء، ومحمد بن يحيى الكسائي الصغير، والفضل بن شاذان، ويعقوب بن أحمد التركماني.

 

وفاته:

توفي أبو الحارث سنة (240هـ)، رحمه الله تعالى.

 

 

 

الإمام الكسائي الكوفي

اسمه:

علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان من ولد بهمن بن فيروز مولى بني أسد وهو من أهل الكوفة ثم استوطن بغداد .

 

كنيته:

أبو الحسن.

 

لقبه:

الكسائي لقب به لأنه أحرم في كساءٍ ، ولذلك أشار الناظم بقوله لما كان في الإحرام فيه تسربلا.

 

وفاته:

توفي الكسائي سنة تسع وثمانين ومائة على أشهر الأقوال عن سبعين سنة .

 

وهو أحد القراء السبعة ، وكان إمام الناس في القراءة في زمانه ، وأعلمهم بالقراءة ، وأضبطهم لها ، وانتهت إليه رياسة الإقراء بالكوفة بعد الإمام حمزة.
قال أبو بكر بن الأنباري : اجتمعت في الكسائي أمور : كان أعلم الناس بالنحو ، وأوحدهم في الغريب ، وأوحد الناس في القرآن ، فكانوا يكثرون عنده فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ.
وكان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم وينقطون مصاحفهم من قراءته.
وقال إسماعيل بن جعفر المدني وهو من كبار أصحاب نافع : ما رأيت أقرأ لكتاب الله تعالى من الكسائي.
وقال بعض العلماء : كان الكسائي إذا قرأ القرآن أو تكلم كأن ملكاً ينطق على فيه.
وقال يحيى بن معين : ما رأيت بعينيّ هاتين أصدق لهجة من الكسائي.
وكما كان الكسائي إماماً في القراءات، إماماً في النحو واللغة.
قال الفضيل بن شاذان : لما عرض الكسائي القراءة على حمزة خرج إلى البدو فشاهد العرب ، وأقام عندهم حتى صار كواحد منهم ، ثم دنا إلى الحضر وقد علم اللغة.
وقال الشافعي : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال إلى الكسائي.
وقال غيره : انتهت إلى الكسائي طبقة القراءة واللغة والنحو والرياسة.
وكان يؤدب ولدي الرشيد الأمين والمأمون.
وفي تاريخ ابن كثير : أخذ الكسائي عن الخليل صناعة النحو فسأله يوماً عمن أخذت هذا العلم.
فقال له الخليل من بوادي الحجاز.
فرحل الكسائي إلى هناك فكتب عن العرب شيئاً كثيراً ثم عاد إلى الخليل فوجده قد مات.
وتصدر مكانه يونس ، فجرت بينهم مناظرات أقر يونس للكسائي فيها بالفضل وأجلسه في موضعه.
وللكسائي مؤلفات في القراءات والنحو ذكر العلماء أسماءها ولكن لم نرها ، ولم نعرف شيئاً عنها ، منها كتاب « معاني القرآن » وكتاب « القراءات » وكتاب « النوادر » وكتاب « النحو » وكتاب « الهجاء » وكتاب « مقطوع القرآن وموصوله » وكتاب « المصادر » وكتاب « الحروف » وكتاب « الهاءات » وكتاب « أشعار ».
قال أبو عبيد في كتاب القراءات : كان الكسائي يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضاً ، وليس هناك أضبط للقراءة ولا أقوم بها من الكسائي.
وقال ابن مجاهد : اختار الكسائي من قراءة حمزة ومن قراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة ، وكان إمام الناس في القراءة في عصره.
وتوفي الكسائي عن سبعين سنة وهو بصحبة هارون الرشيد بقرية « رنْبَوَيْهْ » من أعمال الري متوجهين إلى خراسان.
ومات معه في المكان المذكور محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة.
فقال الرشيد : دفنا الفقه والنحو في الري في يوم واحد ، وفي رواية أنه قال : اليوم دفنا الفقه والعربية.
ورأى بعض العلماء الكسائي في المنام فقال له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بالقرآن.
فقال له : ماذا فعل حمزة ؟ قال له : ذاك في عليين ، ما نراه إلا كما نرى الكواكب.
أخذ القراءة عرضاً عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده.
وعن محمد بن أبي ليلى ، وعيسى بن عمر الهمذاني ، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش « شعبة » وعن إسماعيل بن جعفر ، وعن زائد بن قدامه.
وروى عنه القراءة عرضاً وسماعاً أُناس لا يحصى عددهم منهم أحمد بن جبير ، وأحمد بن منصور البغدادي ، وحفص بن عمرو الدوري ، وأبو الحارث الليث بن خالد ، وعبد الله بن ذكوان ، والقاسم بن سلام ، وقتيبة بن مهران ، والمغيرة بن شعيب ، ويحيى بن آدم ، وخلف بن هشام ، وأبو حيوه : شريح بن يزيد ، ويحيى بن يزيد الفراء ، وروى عنه الحروف يعقوب بن إسحاق الحضرمي.

 

أشهر من روى قراءته:

قرأ عليه عدد كبير منهم: الليث بن خالد أبو الحارث، وأبو عُمَر حفص الدوريُّ، وأبو عُبيد القاسم بن سلَّام، وإبراهيم بن زاذان، وأحمد بن أبى سريج النَّهشلي، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، ويحيى الفرَّاء، وخلف بن هشام، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وعيسى بن سليمان الشيزري، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وغيرهم.

 منزلته في رواية الحديث :

حدَّث الكسائي عن: سليمان بن أرقم، وجعفر بن محمد الصادق، والأعمش سليمان بن مهران، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وسفيان بن عيينة، وآخرين.

وحدَّث عنه: يحيى الفَرَّاء، وخلف بن هشام البَزَّار، ومحمد بن المغيرة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن سعدان، وآخرون.

وقد ذكره ابن حِبَّان في الثِّقَات

وفاته:

توفي برنبويه، قرية من قرى الرَّيِّ، وهو في صحبة الرشيد، وكان ذلك في سَنَة (189هـ)، وقيل غير ذلك، وقد تُوفِّيَ في اليوم نفسِه محمدُ بن الحسن الشيبانيُّ صاحبُ أبي حنيفة ، فقال الرشيد: دَفَنَّا الفقه والنَّحو بالرَّي



خلَّاد

اسمه ونسبته وكنيته:

خلَّاد بن خالد بن عيسى، أبو عيسى، وقيل: أبو عبد الله، الشيبانيُّ بالولاء، الكوفيُّ الصَّيرَفيُّ.

 

مكانته وعلمه:

أحد رواة القُرَّاء السبعة، الإمام الثِّقَة، المُقرىء الضابط المُحقِّق، من كبارهم، أقرأ النَّاس مُدَّة بحرف حمزة بن حبيب.
قال أبو العباس بن محمد الدُّوريُّ: ما رأيتُ أقرأَ للقُرآن من خلف، ما خلا خلَّاد المُقرىء.

 

شيوخه في القراءة:

قرأ خلَّاد على: سُلَيم بن عيسى، وهو من أضبط أصحابه وأجلِّهم، وعلى حسين بن عليٍّ الجُعفي عن أبي بكر بن عيَّاش عن عاصم، وعلى أبي جعفر محمد بن الحسن الرواسيِّ.

 

رواة القراءة عنه:

قرأ عليه: أحمد بن يزيد الحلواني، وإبراهيم بن علي القصَّار، وأبو بكر محمد بن شاذَان الجوهري وهو من أضبطهم، وأبو الأحوص محمد بن الهيثم الكوفي العُكْبري وهو من أجلِّ أصحابه، ومحمد بن يحيى الخنيسي، والقاسم بن يزيد الوزَّان، وهو من أنبل وأجلِّ أصحابه، وعليه دارت قراءته، وسليمان بن عبد الرحمن الطلحي اللؤلؤي، وآخرون.

 

منزلته في الرواية والحديث:

حدَّث خلَّاد عن: زهير بن معاوية، والحسن بن صالح بن حي، ومحمد بن عبد العزيز التيمي، وقيس بن الربيع، ومنجاب بن الحارث، وغيرهم.
وحدَّث عنه: أبو حاتم الرازيُّ، وأبو زُرعة الدِّمشقيُّ، وغيرُهما.
قال عنه أبو حاتم: صدوق.

 

وفاته:

توفي خلَّاد في الكوفة سنة (220هـ)، رحمه الله تعالى.

 

 

 

خلف

اسمه ونسبه:

الثقة الكبير الزاهد العابد العالم الإمام خلف بن هشام بن ثعلب ابن خلف، أبو محمد الأسدي البغدادي البزار، أحد القراء العشرة المعروفين، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة الزيات.
أصله من (فم الصلح) والصلح كورة فوق واسط لها نهر يستمد من دجلة على الجانب الشرقي يسمى (فم الصلح).

 

مولده ونشأته العلمية:

ولد سنة (١٥٠ هـ) وعرف منذ صغره بالذكاء والنباهة، فقد أتم حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، وهي سنّ مبكرة، حفظ القرآن عندها كثير من العلماء المتقنين وهذا يعني أهمية العناية بالصغار ليحفظوا ويتقنوا، لأن أذهانهم أقدر على الحفظ والاستظهار.
وبدأ بطلب العلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فبرع وتقدم حتى شهد له سليم ابن عيسى صاحب حمزة بأنه لم يخلف ببغداد من هو أقرأ منه.
وقد أعانه على طلب العلم همة وقادة وقلب سئول، ورغبة قوية في التعلم والتلقي والأخذ عن العلماء، وكان له من الغنى واليسار ما يذلل له الصعوبات التي كثيرا ما تكون عقبة أمام طلبة العلم.
وكان سخيا بماله، يبذله على التعلّم وفهم المسائل، حتى ليكاد من يطالع سيرته يرميه بالإسراف، ومما يدل على ذلك قوله:
«أشكل عليّ باب من النحو فأنفقت ثمانين ألف درهم حتى حفظته أو قال عرفته» ويدل على ذلك أيضا أنه كان يكلف الوراقين بالكتابة له، بل كان له ورّاق مختص به هو أحمد بن إبراهيم المعروف ب (ورّاق خلف) وكذا أخوه إسحاق بن إبراهيم الذي روى عن خلف اختياره.
ولم يقتصر خلف في طلبه على مدرسة واحدة من مدارس القراء بل أخذ قراءة أهل المدينة عن إسحاق المسيبي عن نافع بن أبي نعيم، وقراءة أهل مكة عن عبيد بن عقيل عن شبل بن عباد عن ابن كثير، وقراءة أهل البصرة عن عبد الوهاب بن عطاء عن أبي عمرو البصري وقراءة عاصم الكوفي عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم، وأخذ عن سليم عن حمزة، وقال خلف أيضا: كنت أحضر بين يدي عليّ بن حمزة الكسائي وهو يقرأ على الناس، وينقطون مصاحفهم بقراءته.
وقد بلغ من حرصه وشدة تحريه أنه قال: قرأت على سليم بن عيسى القرآن مرارا كثيرة، وكنت أسأله عند الفراغ من القرآن، أأروي عنك بهذه القراءة التي قرأتها عليك عن حمزة؟ فيقول: نعم، قال: وسمعته يقول: قرأت القرآن على حمزة عشر مرات.

 

قراءته واختياره:

كان حرص العلماء على تلقي قراءة خلف والأخذ عنه دليلا على ثقتهم بعلمه وصحة نقله وروايته، بل كان بعضهم يرى أن خلفا أضبط الناس للقراءة وأقومهم بها، قال مسلمة بن عاصم (صاحب الفرّاء): «كتبت الحروف من غير وجه، ما اعتمدت إلا على ما حدّثني به خلف بن هشام البزار، لأنه يقرأ كيف أخذ وكيف أدّى» ولأنه كان من العلماء بوجوه القراءات واختلاف الروايات فقد «اختار اختيارا حسنا غير خارج عن الأثر» والمقصود أنه استقل بقراءة يقرأ بها حتى صارت منهجا ومدرسة، بعد أن كان راويا من رواة قراءة حمزة.
وفي اختياره خالف حمزة في مائة وعشرين حرفا.
قال ابن الجزري: «تتبعت اختياره فلم أره يخرج عن قراءة الكوفيين في حرف واحد بل ولا عن حمزة والكسائي وأبي بكر إلا في حرف واحد وهو قوله تعالى في الأنبياء: (وحرام على قرية) قرأها كحفص والجماعة بألف، وروى عنه أبو العز القلانسي في إرشاده السكت بين السورتين فخالف الكوفيين».
واشتهرت قراءة خلف شهرة فائقة في بعض البلاد، وفي هذا يقول أبو الحسن محمد بن عبد الله النقاش الحربي:
فأول من قرأت عليه إسحاق بن إبراهيم المروزي وقرأ على خلف وقرأ على سليم وقرأ على حمزة وكان لا يقرأ ولا يقرئ إلا بهذا الحرف لا يحسن غيره، فخلفه ابنه محمد فقرأت عليه أيضا ... وقرأت بعده على جماعة منهم أبو الحسن علي بن محمد بن نيزك، وأبو الحسن محمد بن إبراهيم، وإبراهيم بن إسحاق المعروف بغلام جلّان، وأبو بكر بن أسد المؤدب باختيار خلف كله.

قال: ولم يكن يعرف عندنا بالربض غير اختياره ولا يقرأ إلا به.

 

شيوخه:

أما شيوخه الذين قرأ عليهم فهم كثيرون منهم سليم بن عيسى، وعبد الرحمن بن أبي حماد، ويعقوب بن خليفة الأعشى، وأبو زيد سعيد بن أوس، وروى الحروف عن إسحاق المسيبي، وإسماعيل بن جعفر، وعبد الوهاب بن عطاء، ويحيى بن آدم، وعبيد بن عقيل، وروى رواية قتيبة عنه، وسمع من الكسائي الحروف، ولم يقرأ عليه القرآن.
قال أبو علي الأهوازي في مفردة الكسائي قال الفضل بن شاذان عن خلف: إنه قرأ على الكسائي، والمشهور عند أهل النقل لهذا الشأن أنه لم يقرأ عليه وإنما سأله عنها وسمعه يقرأ القرآن إلى خاتمته وضبط ذلك عنه بقراءته عليهم.

 

تلاميذه:

روى عنه القراءة كثيرون عرضا وسماعا، فمنهم: ورّاقة أحمد بن إبراهيم، وأخوه إسحاق بن إبراهيم، وإبراهيم بن علي القصار، وأحمد بن يزيد الحلواني، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وأحمد بن زهير، وسلمة بن عاصم، وأحمد بن البرائي، وعبد الله بن عاصم شيخ الغضائري، وعلي بن الحسين بن سلم ومحمد بن إسحاق شيخ ابن شنبوذ، ومحمد بن الجهم، ومحمد بن مخلد الأنصاري، ومحمد بن عيسى، والفضل بن أحمد الزبيدي، وعلي بن محمد بن نازك، وإبراهيم ابن إسحاق، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن سعيد الضرير، وأبو بكر بن أسد المؤدب، وعبيد بن عقيل، وعبد الوهاب بن عطاء، وموسى بن عيسى، وأبو الوليد عبد الملك بن القاسم، وعمر بن فائد فيما ذكره الهذلي.
وكان رجلا صدوقا صالحا كثير العلم والرواية عن السلف، عالما بوجوه قراءات الأئمة وله كتاب حسن صنفه في القراءات.

 

وفاته:

توفي ببغداد سنة ٢٢٩ هـ وهو مختف من الجهمية. رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والقرآن خير الجزاء.

 

 

 

الإمام حمزة الزيات الكوفي

اسمه:

حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكُوفيُّ يكنى بـ”أبي عِمَارة”، ولد سنة (80 هـ)، ولٌقب بـالزيَّات لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة. أدرك الصحابة بالسنِّ، ولعلَّه رأى بعضهم. توفي سنة 156 هـ بحلوان وعمره 76 سنة.
وكان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال: هذا حَبْر القرآن، وقال عنه مرَّة: ذاكَ تُفَّاحَة القُرَّاء، وسيِّد القُرَّاء. كان أحد القراء السبعة، وعنه أخذ أبو الحسن الكسائي القراءة، وأخذ هو عن الأعمش. وهو سادس القُراء العشر، قال عنه الإمام الشاطبي في قصيدته (حرز الأماني ووجه التهاني) التي جمع فيها علوم القراءات السبع:

إماماً صبوراً للقُرآنِ مرتِّلا      وحمزةُ ما أزكاهُ من مُتَوَرِّعٍ

رواه سُليمٌ متقناً ومُحصَّلا      روى خَلَفٌ عنه وخلادٌ الذي

 

نسبه:

حمزة بن حبيب بن عَمَارة بن إسماعيل، الكُوفيُّ التيميُّ الزيَّات، أبو عمارة، مولى آل عكرمة بن ربعي.

 

علمه ومكانته وصفاته:

أحد القراء السبعة، تصدَّر للإقراء مُدَّة، كان إماماً حجَّة، ثقةً ثبتاً، قيِّماً بكتاب الله تعالى، حافظاً للحديث، بصيراً بالفرائض والعربية، عابداً زاهداً، خاشعاً قانتاً ورعاً، عديم النظير، صار أكثر أهل الكوفة في زمنه إلى قراءته، وكان يُقْرِئ سَنَةً بالكوفة، وسَنَةً في حُلْوَان، وقد آلت إليه الإمامة في القراءة بعد عاصم. كان يقول: ما قرأتُ حرفاً إلاَّ بأثر، وقال عنه سفيان الثوري: هذا ما قرأ حرفاً من كتاب الله عزَّ وجل إلاَّ بأثر.
قال يحيى بن معين: سمعت محمد بن الفضل يقول: ما أحسب أنَّ اللهَ يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة. وكان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال: هذا حَبْر القرآن، وقال عنه مرَّة: ذاكَ تُفَّاحَة القُرَّاء، وسيِّد القُرَّاء. وقال له أبو حنيفة النعمان مرة: شيئان غلبتنا عليهما، لسنا ننازعك فيهما: القرآن والفرائض. وقال جرير: وددت أن أستطيع أصنع ما يصنع حمزة سيِّدنا وسيِّد القُرَّاء.
وقال الكسائي لأحدهم وهو يصف حمزة: «إمام من أئمة المسلمين، وسيِّدُ القرَّاء والزهَّاد، لو رأيته لَقَرَّت عينُك به من نُسُكه»، وكان الكسائي يفتخر به، ويسمِّيه: أستاذي، ويجلُّه ويرفع قدَرَهُ، وقد قرأ عليه القرآن أربع مرات. وقد كان حمزة يقرأ في كل شهر خمساً وعشرين ختمة، ولم يلقه أحد قطُّ إلا وهو يقرأ. قال عنه الإمام الشاطبي في منظومته: وحمزة ما أزكاه من مُتَوَرِّع اماماً صَبُورَاً للقُرَان مُرَتِّلا.

 

شيوخه في القراءة:

قرأ حمزة على: سليمان بن مهران الأعمش، وحُمْران بن أَعْيَن، وأبي إسحاق السَّبِيْعِي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وطلحة بن مَصرِف، وجعفر بن محمد الصادق، وغيرهم. فما كان من قراءة الأعمش وحُمران فهي عن ابن مسعود رضي الله عنه، وما كان عن ابن أبي ليلى فهي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمَّا أبو إسحاق السَّبِيعي فكان يقرأ عنهما.

 

رواة القراءة عنه:

قرأ عليه خلق كثير، من أبرزهم: علي بن حمزة الكسائي وهو من أجلِّ أصحابه، وسُلَيْم بن عيسى وهو من أضبط أصحابه، وخلاّد بن خالد الأحول، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وإبراهيم بن أدهم، وعابد بن أبي عابد، والحسن بن عَطيَّة، وعبد الله بن صالح العِجْلي، وآخرون.
وقد نقل قراءته كلٌّ من خَلَف بنُ هشام البزَّار، وخَلَّاد بن خالد الصيرفي، كلاهما عن سُلَيم بن عيسى عن حمزة.
قال الشاطبي: روى خَلَفٌ عنه وخلَّاد الذي رواه سُلَيم مُتْقَنَاً ومُحَصَّلا.

 

موقف العلماء من قراءته:

قال الذهبي: كره طائفة من العلماء قراءةَ حمزة لما فيها من السكت، وفرط المدِّ، واتِّبَاع الرَّسم والإضجاع، وأشياء.
فكان أحمد بن حنبل يكره من قراءة حمزة الهمز الشديد، والإضجاع. وكان يزيد بن هارون ينهى عن قراءة حمزة، يكرهها كراهية شديدة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره. وقال سفيان بن عيينة: لا تصلوا خلف من يقرأ بقراءة حمزة. وقال أبو بكر بن عيَّاش: قراءة حمزة بدعة، يزيد ما فيها من المدِّ المفرط والسكت، وتغيير الهمز في الوقف، والإمالة وغير ذلك. ورُوِيَ عن عبد الله بن إدريس أنَّه لعن من قرأ قراءة حمزة.
إلا أن علماء فن القراءات لم يقبلوا الطعن في قراءة حمزة، وأكدوا على صحتها وتلقي الأمة لها بالقبول، من ذلك:
قول الإمام السخاوي: إنما اتخذه الناس اماماً في القراءة لعلمهم بصحة قراءته، وأنها مأخوذة عن أئمة القرآن الذي تحققوا بإقرائه، وكانوا أئمة يقتدى بهم من التابعين وتابعي التابعين، وكان حمزة أجلّ وأورع من أن يبتدع.
وقال الإمام الذهبي: انعقد الإجماع بآخرة على تلقي قراءة حمزة بالقبول، والإنكار على من تكلَّم فيها، ويكفى حمزة شهادةُ مثل الإمام سفيان الثوري له، فإنه قال: ما قرأ حمزة حرفًا إلا بأثر. قال ابن الجزري شيخ المحققين: وأمَّا ما ذُكِرَ عن عبد الله بن إدريسوأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإنَّ ذلك محمول على قراءة من سمعا منه ناقلاً عن حمزة، وما آفة الأخبار إلا رواتها.

 

منزلته في الرواية والحديث:

حدَّث حمزة عن: سليمان بن مهران الأعمش، وحُمْران بن أعين، وطلحة بن مصرف، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتبة، وعمرو بن مرة، وعدي بن ثابت، والمنهال بن عمرو، وأبي إسحاق الشيباني، وآخرين. وحدَّث عنه: سفيان الثوري، وشريك بن عبد الله، ووكيع، ويحيى بن آدم، وأبو الأحوص، وعبد الله بن صالح العجلي، وأبو نُعَيْم، وغيرهم.
وقد اختلف علماء الجرح والتعديل في الحكم على رواية الإمام حمزة في الحديث، إلا أنَّ روايته لا تنزل عن درجة الحسن، كما قال الذهبي. قال أحمد بن حنبل: حمزة الزيَّات ثقة في الحديث. وقال النَّسائيُّ وغيره: ليس به بأس، أمَّا الأزديُّ والساجيُّ فقالا: صدوق في الحديث، ليس بمتقن، وقال الساجي مَرَّةً: صدوق سيئ الحفظ. وقال يحيى بن معين: حمزة ثقة، وقال مَرَّة: حسن الحديث. وقد ذكره ابن حِبَّان والعِجْلي في الثِّقات. قال الذهبي: حديثه مخرَّج في صحيح مسلم، وفي السنن الأربعة، ولا ينحط عن رتبة الحسن.

 

مآثره وأقواله:

روى خلف بن هشام البزَّار، قال: قال لي سُلَيْم بن عيسى: دخلت على حمزة بن حبيب الزيَّات، فوجدته يُمَرِّغ خديه في الأرض ويبكي، فقلتُ: أعيذك بالله، فقال: يا هذا استعذتَ في ماذا؟ فقال: رأيتُ البارحة في منامي كأنَّ القيامة قد قامت، وقد دُعِيَ بقرَّاء القرآن، فكنتُ فيمن حضر، فسمعتُ قائلاً يقول بكلام عذب: لا يدخل عليَّ إلاَّ من عملَ بالقرآن، فرجعتُ القَهْقَرَى، فَهُتِف باسمي: أين حمزةُ بن حبيب الزيَّات؟ فقلت: لبيكَ داعيَ الله لبيك، فبدرني مَلَكٌ فقال: قل لبيكَ اللهمّ لبيكَ، فقلتُ كما قال لي، فأدخلني داراً، فسمعتُ فيها ضجيجَ القرآن، فوقفتُ أرعدُ، فسمعتُ قائلاً يقول: لا بأسَ عليك، أرقَ واقرأ، فأدرتُ وجهي فإذا أنا بمنبر من دُرٍّ أبيض، دُفَّتَاه من ياقوتٍ أصفر، مُرَاقته زبرْجَد أخضر، فقيل لي: أرق واقرأ، فَرَقِيتُ، فقيل لي: اقرأ سورة الأنعام، فقرأتُ وأنا لا أدري على من أقرأ حتى بلغت الستين آية، فلما بلغتُ: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 61]، قال لي: يا حمزة ألستُ القاهرُ فوقَ عبادي؟ قال: فقلُت: بلى، قال: صدقتَ، اقرأ، فقرأتُ حتى تممتُها، ثمَّ قال لي: اقرأ، فقرأتُ «الأعراف» حتى بلغتُ آخرَها، فأومأتُ بالسجود، فقال لي: حسبُكَ ما مضى، لا تسجد يا حمزة، من أقرأكَ هذه القراءة؟ فقلتُ: سُلَيْمان، \قال: صدقتَ، من أقرأ سُلَيْمان؟ قلتُ: يحيى، قال: صَدَقَ يحيى، على من قرأ يحيى؟ فقلتُ: على أبي عبد الرحمن السُّلَميّ، فقال: صدقَ أبو عبد الرحمن السُّلميّ، من أقرأ أبا عبد الرحمن السلميّ؟ فقلت: ابنُ عمِّ نبيك عليُّ بنُ أَبي طالب، قال: صدقَ عليٌّ، من أقرأ عليًا؟ قال: قلتُ: نبيكَ صلى الله عليه وسلم، قال: ومن أقرأ نبيي؟ قال: قلتُ: جبريلُ، قال: من أقرأ جبريلَ، قال: فسكتُّ، فقال لي: يا حمزة، قلْ أنتَ، قال: فقلتُ: ما أجسُرُ أن أقولَ أنتَ، قال: قل أنتَ، فقلتُ: أنتَ، قال: صدقتَ يا حمزة، وحقِّ القرآن لأُكرمنَّ أهلَ القرآن، سِيَّما إذا عملوا بالقرآن، يا حمزة: القرآنُ كَلامِي، وما أَحببتُ أحدًا كَحُبِّي لأهل القرآن، ادنُ يا حمزة، فدنوتُ فغمر يدَهُ في الغَاليَةثمَّ ضَمَّخَنِي بها، وَقَال: ليس أفعل بك وحدَك، قد فعلتُ ذلك بنظرائك، ومن فوقَكَ، ومن دونَكَ، ومن أقرأ القرآنَ كما أقرأتَهُ لم يُرِد به غيري، وما خبأتُ لك يا حمزة عندي أكثر، فأَعلِم أصحابَكَ بمكاني من حُبِّي لأهل القرآن وفعلي بهم، فهمُ المُصْطَفَون الأخيار، يا حمزة: وعزتي وجلالي لا أعذِّبُ لسانًا تلا القرآن بالنَّار، ولا قلبًا وعاه، ولا أذنًا سمعته، ولا عينًا نظرتُه، فقلتُ: سبحانكَ سبحانكَ أي ربِّ، فقال: يا حمزة أين نظار المصاحف؟ فقلت: يا ربِّ حفاظُهُم؟ قال: لا، ولكني أحفظه لهم حتى يوم القيامة، فإذا أتوني رفعتُ لهم بكلِّ آية درجة. أفتلومني أن أبكي، وأتمرَّغُ في التُّراب.
وقال عبد الله العِجلي: ختم على حمزة رجل من أهل حُلْوان من مشاهيرهم، فبعث إليه بألف درهم، فقال حمزة لابنه: كنت أظنُّ لك عَقلاً، أنا آخُذُ على القُرآن أجراً، أرجو على هذا الفردوس. وقال حمزة مَرَّة: أنا أكره أن أشرب من بيتِ مَن يَقْرأ عليَّ الماءَ. قال عبيد الله بن موسى: كان حمزة يُقرِئ القرآن حتى يتفرَّق النَّاس، ثم ينهض فيصلي أربع ركعات، ثم يصلي ما بين الظهر والعصر، وما بين المغرب والعشاء، وحدثني بعض جيرانه أنَّه لا ينام الليل، وأنَّهم يسمعون قراءته يرتِّل القرآن. وقال حمزة محذِّراً من التنطع في القراءة وتحقيقها: إنَّ لهذا التحقيق منتهىً ينتهي إليه، ثمَّ يكون قبيحاً، مثل البياض له منتهى، فإذا زاد صار برصاً، ومثل الجُعُودَة لها منتهى تنتهي إليه، فإذا زادت صارت قططاً.

 

وفاته:

توفي حمزة سنة 156 هـ، وقيل: سنة 158 هـ، وهو وَهْمٌ كما قال الذهبي، وقبره في حُلْوَان مشهور.

 

 

 

حفص

اسمه:

حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمر بن أبي داود الأسدي الكوفي الغاضري البزاز.

 

مولده:

ولد سنة تسعين للهجرة، أقرأ الناس دهرًا، ونزل بغداد فاقرأ بها، وجاور بمكة فأقرأ بها أيضًا

 

شيوخه:

أخذ القراءة عرضًا وتلقيناً عن عاصم، وكان ربيبه -ابن زوجته-.
قال الداني وهو الذي أخذ قراءة عاصم عن الناس تلاوة، وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان، وقال أبو هاشم الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم، وقال الذهبي: أما القراءة فثقة ثبت ضابط لها، بخلاف حاله في الحديث، يشير إلى أنه تكلم فيه من جهة الحديث، قال ابن المنادى: قرأ على عاصم مرارًا وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم.
قال حفص : قلت لعاصم، أبو بكر يخالفني، فقال أقرأتك بما أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب، وأقرأته بما أقرأني زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود
قال ابن مجاهد: بين حفص وبين شعبة من الخلف في الحروف خمسمائة وعشرون حرفًا في المشهور عنهما

وذكر حفص أنه لم يخالف عاصمًا في شيء من قراءته إلا في [الروم : ٥٤ ] قرأه بضم الضاد وقرأه عاصم بالفتح

 

تلاميذه:

روى القراءة عنه عرضًا وسماعًا حسين بن محمد المروذي، وحمزة بن القاسم الأحول، وسليمان بن داود الزهراني، وحمد بن أبي عثمان الدقاق، والعباس بن الفضل الصفار، وعبد الرحمن بن محمد بن واقد، ومحمد بن الفضل زرقان، وخلف بياض الحداد، وعمرو بن الصباح، و عبيد بن الصباح، وهبيرة بن محمد التمار، وأبو شعيب القواس، والفضل بن يحيى بن شاهي بن فراس الأنباري، وحسين بن علي الجعفي، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وسليمان الفقيمي وغيرهم

 

وفاته:

توفي سنة ثمانين ومائة للهجرة.

 

 

 

شعبة

اسمه ونسبته وكنيته ومولده:

شعبة بن عيَّاش بن سالم الأسديِّ الكوفيِّ الحَنَّاط، أبو بكر، مولى واصل بن الأحدب، وقد اختلف في اسمه على أقوال، أصحُّها: شعبة، ولد سنة (95ه)، وقد عُمِّرَ دهراً طويلاً.

 

مكانته وعلمه:

أحد رواة القُرَّاء السبعة، إمام عَلَمٌ كبير، مُقرئ عالم حجَّة، من كبار أئمة السنة وفقهائها، كثير العلم والعمل، منقطع النظير، زاهد ورع، كان يقول عن نفسه: أنا نصف الإسلام.
قرأ على عاصم بن أبي النَّجود القرآن ثلاث مرات، وينتهي سنده في القراءة عليه إلى ابن مسعود رضي الله عنه.

 

مناقبه ومواقفه وأقواله:

قال عنه أحمد بن حنبل: صاحب قرآن وخير.
وقال ابن المبارك: ما رأيتُ أحداً أسرع إلى السُنَّة من أبي بكر بن عيَّاش.
وقال عنه الحافظ يعقوب بن شيبة: كان أبو بكر معروفاً بالصَّلاح البارع، وكان له فقه وعلم بالأخبار.
وقال يزيد بن هارون: كان أبو بكر خَيِّرَاً فاضلاً، لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنَة.
أمَّا يحيى بن معين فقال: لم يُفْرَش لأبي بكر فراشٌ خمسين عاماً.
ورُوِي أنَّه مكث أربعين سنة أو نحوها يختم القرآن في كلِّ يوم وليلة.
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبي: رأيتُ أبا بكر بن عياش بالكوفة يوم الجمعة، جاء إلى المسجد على حِمَار، فنزل ثمَّ جاء إلى سارية من سواري المسجد، فما زال قائماً يصلِّي، ثمَّ حَسَر عن كُمِّ قميصه، فنظرتُ إلى ساعده ما بقي عليه إلا الجِلد على العظم، فتعجَّبتُ من صبره على القيام وضعفه.
ومن مواقفه التي تدلُّ على صدقه ونُصْحِهِ: أنَّ هارون الرشيد أحضره من الكوفة، فجاء ومعه وكيع بن الجراح يقوده، فأدناه من الرشيد، فقال له: أدركتَ أيام بني أمية وأيامنا، فأيُّنا خير؟ قال: أولئك كانوا أنفع للنَّاس، وأنتم أقوم للصَّلاة، فصرفه الرشيد وأجازه بستة آلاف دينار، وأجاز وكيعاً بثلاثة آلاف دينار.
ومن أقواله: ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام لكن بشيء وَقَرَ في صدره.
وقال: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى بها عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بليَّة.
وقال: الدخول في العلم سهل، والخروج منه إلى الله شديد.
وقال سفيان بن عيينة: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا في النوم عجوزًا مشوَّهة.

 

شيوخه في القراءة:

من أبرز شيوخ أبي بكر بن عياش في القرآن عاصم بن أبي النَّجود، فقد قال: تعلَّمتُ من عاصم القرآن كما يتعلَّم الصبيُّ من المُعلِّم، فلقي منِّي شدة، فما أُحسِنُ غيرَ قراءتِه.
وقال مرَّة: تعلَّمتُ من عاصم خمْسَاً خمْسَاً، ولم أتعلَّم من غيره، ولا قرأتُ على غيره، واختلفت إليه نحواً من ثلاث سنين، في الحَرِّ والشتاء والأمطار، حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.
ثم قال: فكنت إذا فرغت منها يقول: خذها إليك فهي خير مما طلعت عليه الشمس، ولهي خير من الدنيا وما فيها.
وقد قال له عاصم مَرَّةً حين سمع قراءته: احمد الله، فإنك قد جئتَ وما تُحسن شيئاً، فقال له أبو بكر بن عياش: إنَّما خرجتُ من الكُتَّاب ثمَّ جِئْتُ إليك.
وقال عن شيخه: ما رأيتُ أقرأ من عاصم، فقرأت عليه، وما رأيت أفقه من المغيرة فلزمْتُه.
وقد ضعَّف الذهبي رواية عرضه للقرآن على عطاء بن السائب، وأَسْلم المِنْقَري.

 

رواة القراءة عنه:

أبرز الرواة عنه في القرآن: أبو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشى، وعبد الرحمن بن أبي حماد، وعروة بن محمد الأسدي، ويحيى بن محمد العُلَيمي، وسهل بن شعيب، قال أبو عمرو الداني: ولا يُعْلَم أحدٌ عرض عليه القرآن غير هؤلاء الخمسة.
إلاَّ أنَّه روى عنه الحروف سماعاً عدد من القُرَّاء، من أبرزهم: أبو الحسن الكسائي، ويحيى بن آدم.

 

منزلته في الرواية والحديث:

حدَّث أبو بكر بن عيَّاش عن: حبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن أبي النَّجود، وأبي إسحاق السَّبِيعي، وإسماعيل السديِّ، وعبد الله بن عمير، والأعمش سليمان بن مهران، وغيرهم.
وحدَّث عنه خلق لا يُحصون، منهم: عبدالله بن المبارك، وأبو داود الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن محمد الطنافسي، ويحيى بن معين، ووكيع بن الجراح، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، والحسن بن عَرَفة، وغيرهم.
وقد أخرج له البخاري وأصحاب السنن، إلاَّ أنَّهم اختلفوا في توثيقه، فذهب الأكثرون إلى توهينه، ووثَّقَه بعضهم، مع اتفاق الجميع على أنَّه ثِقَة ثبتٌ ضابط في القراءة.
قال أحمد بن حنبل: صدوق ثقة صاحب قرآن وخير، وقال: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي بكر، وإذا ذُكِرَ عنده كلح وجهه.
وقال أبو حاتم: أبو بكر وشريك في الحفظ سواء، غير أنَّ أبا بكر أصحُّ كتاباً، وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: أبو بكر بن عيَّاش وعبد الله بن بشر الرّقي، قال: أبو بكر أوثق منه وأحفظ.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال علي بن المَدِيني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: لو كان أبو بكر بن عيَّاش بين يدي ما سألتُه عن شيء.
وقال يعقوب بن شيبة الحافظ: في حديثه اضطراب.
وقال أبو نُعَيْم الفضل بن دكين: لم يكن في شيوخنا أحدٌ أكثر غلطاً من أبي بكر.
وقد ذكره ابن حِبَّان والعِجلي في الثقات.
قال الذهبي: وقد اعتنى أبو أحمد بن عَدِيّ بأمر أبي بكر، وقال: لم أر له حديثًا منكرًا من رواية ثقة عنه.
إلاَّ أنَّ الذهبي قال بعد ذلك: أمَّا الحديث فيأتي أبو بكر بغرائب ومناكير، وأشار إلى بعضها.

 

وفاته:

توفي في الكوفة سنة (193 هـ)، عن ست وتسعين سنة، بعد عمر طويل في طاعة الله، وقد قطع الأقراء قبل موته بسبع سنين، وقيل بأكثر، ولما حضرته الوفاة بكت أختُهُ فقال لها: ما يُبْكِيك؟ أنظري إلى تلك الزاوية، فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة.

 

 

 

الإمام عاصم بن أبي النجود الكوفي

اسمه ونسبه:

هو أبو بكر عاصم بن بهدلة أبي النَّجُود الأسدي مولاهم الكوفي شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، ويقال أبو النجود اسم أبيه لا يعرف له اسم غير ذلك وبهدلة اسم أمّه وقيل اسم أبي النَّجُود عبد الله...

 

مولده:

لم يتعرض أحد ممن روى تاريخ الإمام عاصم الكوفي لسنة مولده.

 

البلد التي ولد فيها:

من الواضح أن الإمام عاصم قد ولد ونشأ وتوفي بالكوفة،وقد أشار الإمام الشاطبي إلى أن الإمام عاصم كان يقيم بالكوفة، فقال في مقدمة الشاطبية:
وَبِالْكُوفَةِ الْغَرَّاءِ مِنْهُمْ ثَلاَتَةٌ أَذَاعُوا فَقَدْ ضَاعَتْ شَذاً وَقَرَنْفُلاَ
فَأَمَّـا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِـمٌ اسْمُهُ فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَـلاَ
قال الشارح:
الغرّاء يعني المشهورة البيضاء المنيرة بكثرة العلماء بها، منهم يعني من السبعة ثلاثة هم عاصم وحمزة والكسائي أذاعوا أي أفشوا العلم بها وشهروه ونشروه والضمير في ضاعت للكوفة أو للقراءة أي فاحت رائحة العلم بها والشذا كسر العود والقرنفل معروف...
وهذا هو البدر الخامس أبو بكر عاصم بن أبي النجود أحد السادة من أئمة القراءة والحديث... أثنى الشيخ الشاطبي على عاصم بأن من جملة الرواة عنه شعبة الذي برز في الفضل وهو باب من أبواب المدح معروف فكم من تابع قد زان متبوعه وكم من فرع قد شرف أصله...

 

شيوخه:

روى حماد بن زيد عن عاصم قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن أي السلمي ونحن غلمة أيفاع.
وقال أبو بكر بن عياش قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن وكان أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي رضي الله عنه  فكنت أرجع من عنده فأعرض على زرّ وكان زر قد قرأ على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه  فقلت لعاصم لقد استوثقت رواها يحيى بن آدم عنه.

وروى جماعة عن عمرو بن الصباح عن حفص الغاضري عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه بالقراءة.
وذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن - أي السلمي - في شيء من قراءته وأن أبا عبد الرحمن لم يخالف عليا في شيء من قراءته. وروى أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش قال كل قراءة عاصم قراءة أبي عبد الرحمن إلا حرفا.
قال الذهبي:
وقرأ القرآن على أبي عبدالرحمن السلمي، وزرّ بن حبيش الاسدي، وحدث عنهما، وعن أبي وائل، ومصعب بن سعد، وطائفة من كبار التابعين، وروى فيما قيل عن الحارث بن حسان البكري، ورفاعة بن يثربي التميمي، أو التيمي، ولهما صحبة، وهو معدود في صغار التابعين.

 

تلاميذه:

أشهر تلاميذ الإمام عاصم الكوفيّ:

  1. أبو بكر ( شعبة ) وقد ولد سنة 95 هـ، 714 م وتوفي في جمادى الأولى سنة 193 هـ، 809 م وكان إماماً علماً كبيراً عالماً عاملا حجة من كبار أئمة السنة ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة.
  2. الراوي الثاني لعاصم هو حفص وقد ولد سنة 90 هـ، 709 م وتوفي سنة 180هـ، 796 م، وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم، وكان ربيب عاصم ابن زوجته، قال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية حفص وقال ابن المنادى: كان الأولون يعدونه في الحفظ فوق ابن عياش ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم ، أقرا الناس دهراً وقال الحافظ الذهبي: أما في القراءة فثقة ثبت ضابط بخلاف حاله في الحديث.

وقد أشار إليهما الإمام الشاطبي بقوله:
وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلاَ
قال حفص: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر ابن حبيش عن ابن مسعود...

وقال الذهبي:
حدّث عنه عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان، وهما من شيوخه، وسليمان التيمي، وأبو عمرو بن العلاء، وشعبة، والثوري، وحماد بن سلمة، وشيبان النحوي، وأبان بن يزيد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وعدد كثير.
وتصدر للاقراء مدة بالكوفة، فتلا عليه أبو بكر أي شعبة، وحفص بن سليمان...

 

منهج الإمام عاصم الكوفي في القراءة:

يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي عن منهج الإمام عاصم الكوفي في القراءة:

  1. يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال وبراءة فله السكت والوصل.
  2. يقرأ المدين المتصل والمنفصل بالتوسط بمقدار أربع حركات.
  3. يميل شعبة عنه ألف "رمى "في ولكن الله رمى "بالأنفال "وألف أعمى في موضعي الإسراء "ومن كان في هذا أعمى فهو في الآخرة أعمى "وألف نآى في "ونآى بجانبه "في الإسراء، وألف ران في "كلا بل ران" في المطففين وألف هار في "شفا جرف هار "في التوبة، ويميل حفص عنه الألف بعد الراء في "مجريها ".
  4. يفتح من رواية شعبة ياء الإضافة في "من بعدي اسمه أحمد "في الصف ويسكنها من رواية شعبة أيضاً في "أُمى إلهين" في المائدة و"أجرى إلا" في جميع المواضع، و"وجهي لله" في آل عمران والإنعام.
    و "بيتى" في "ولمن دخل بيتي" بنوح، "ولى دين" في الكافرون.
  5. يحذف الياء الزائدة وصلاً ووقفاً من رواية شعبة في "فما آتان الله خير" في النمل.
  6. يقرأ من رواية شعبة "من لدنه" بالكهف بإسكان الدال مع إشمامها، ومع كسر النون والهاء وإشباع حركتها.

 

ثناء العلماء على الإمام عاصم الكوفي:

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن عاصم فقال: رجل صالح ثقة خير
وقال عنه الإمام ابن الجزري: هو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي في موضعه جمع بين الفصاحة والاتقان والتحرير والتجويد وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن...
وقال أبو بكر بن عياش: لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النجود.
وقال يحيى بن آدم عن حسن بن صالح: ما رأيت أحداً قط كان أفصح من عاصم...
وقال ابن عياش: قال لي عاصم: مرضت سنتين فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفاً.
وقال حماد بن سلمة: رأيت حبيب بن الشهيد يعقد الآي في الصلاة ورأيت عاصم بن بهدلة يعقد ويصنع مثل صنيع عبد الله بن حبيب.
وروى حماد بن سلمة وأبان العطار عن عاصم أن أبا وائل ما قدم عليه إلا قبَّل كفه.
وقال حفص: كان عاصم إذا قرىء عليه أخرج يده فعد.
وروى أبو بكر بن عياش عنه أنه كان يبدأ بأهل السوق في القراءة.
وقال أبو حاتم: محله الصدق

 

من كلمات الإمام عاصم الكوفي:

- من لم يحسن من العربية إلا وجهًا واحدًا لم يحسن شيئًا.

 

وفاته:

قال ابن عياش دخلت على عاصم وقد احتضر فجعل يردد هذه الآية يحققها حتى كأنه في الصلاة: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق.
وقد توفي الإمام عاصم سنة 127 هـ، 745 م رحمه الله رحمةً واسعة.

 

 

 

ابن ذكوان

اسمه:

هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان،أبو عمرو وقيل أبو محمد القرشي الفهري الدمشقي الإمام الاستاذ الشهير الرواي الثقة، شيخ الإقراء بالشام، وإمام جامع دمشق، انتهت إليه مشيخة الإقراء بعد أيوب بن تميم.

 

مولده:

ولد يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين ومائة.

 

شيوخه:

أخذ القراءة عرضاً عن أيوب بن تميم، وقرأ على الكسائي، وإسحاق المسيبي عن نافع.

 

تلاميذه:

ابنه أحمد وأحمد بن أنس وأحمد بن المعلى وأحمد بن يوسف التغلبي وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي وهارون بن موسى الأخفش وغيرهم.

 

وفاته:

وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شوال من سنة اثنين وأربعين ومائتين.

 

 

 

هشام

اسمه:

هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي الدمشقي، إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرؤهم ومحدثهم مع الثقة والضبط والعدالة.

 

مولده:

ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة أيام المنصور.

 

شيوخه:

أخذ القراءة عرضاً عن أيوب بن تميم وعراك بن خالد وسويد بن عبد العزيز والوليد بن مسلم وصدقة بن خالد وغيرهم.

 

تلاميذه:

روى القراءة عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن يزيد الحلواني، وأحمد بن أنس، وإسحاق بن أبى حسان، وغيرهم.

 

صفاته:

وكان فصيحاً علامةً واسع الرواية، خطيباً مفوهاً.

وكان هشام مشهوراً بالنقل والفصاحة والعلم والرواية والدراية، رزق كبر السن، وصحة العقل والرأي، ارتحل الناس إليه في القراءات والحديث.

 

وفاته:

توفي رحمه الله سنة ( ٢٤٥ هـ) بدمشق.

 

 

 

Top