Super User

الغلو في محبة النبي (صلى اللّه عليه وسلم)

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ


لقد أكرم اللّه البشرية والأمة المحمدية ببعثة الرسول المصطفى والنبي المجتبى محمد صلى اللّه عليه وسلم فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور وأتم اللّه به النعمة وكمل به الدين:

قال اللّه تعالى: {لقد من اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في اللّه حق جهادة حتى أتاه اليقين، ما من خيرإلا ودل عليه الأمة وما من شر إلا وحذرها منه فصلوات ربي وسلامه عليه.

ومن الأمور التي لا تخفى على المسلمين أن محبة النبي صلى اللّه عليه وسلم من الأمور الواجبة المتعينة على كل مسلم ومسلمة، وقد جاء في الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) وهذه المحبة الواجبة دليلها وبرهانها: طاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما أمر وتصديقه في ما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد اللّه إلا بما شرع قال اللّه تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال سبحانه: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر}، قال الحافظ ابن كثير - رحمه اللّه -: (هذه الآية الكريمة أصل في التأسي بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله).

ومن القواعد المهمة في الإسلام أن العبادات توقيفية لا مجال للعقل فيها، وهي مبنية على الاتباع لا الابتداع، وأن الأصل فيها الحظر والمنع حتى يرد الدليل على مشروعيتها، ودليل هذه القاعدة ما روته أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد » رواه مسلم.

إلا أن بعض المسلمين هداهم اللّه ابتدعوا في دين اللّه بدعا ما أنزل اللّه بها من سلطان، ومن ذلك ما يقع من بعضهم في شهر ربيع الأول من احتفال بمولد النبي صلى اللّه عليه وسلم، فظنوا أن هذا الاحتفال قربة وطاعة وما علموا أنه بدعة وضلالة، فالاحتفال بمولد النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر لا يجوز شرعاً وهو مردود لعدة أوجه:

أولاً: عدم وجود الدليل على مشروعيته من الكتاب أو السنة وقد قال اللّه تعالى:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللّه} وفي الحديث: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

ثانيا: أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة ليس فيها زيادة ولا نقصان، قال اللّه تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

وقال الإمام مالك - رحمه اللّه -: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم خان الرسالة، لأن اللّه يقول {اليوم أكملت لكم دينكم} فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا).

ثالثاً: أن الصحابة رضي اللّه عنهم أتقى الناس للّه تعالى وأشدهم حرصاً على الخير، وأعظم محبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم ممن جاء بعدهم، ومع ذلك لم يحتفلوا بمولده صلى اللّه عليه وسلم ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ونحن مأمورون بالاهتداء بهديهم والسير على طريقتهم كما في حديث العرباض بن سارية رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة «رواه أبو داود والترمذي».

رابعاً: أن الاحتفال بمولده صلى اللّه عليه وسلم أمارة على الغلو فيه، وقد قال اللّه تعالى {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».

ومن المؤسف والمؤلم أن بعض المحتفلين بمولده صلى اللّه عليه وسلم صاروا يرددون القصائد المحرمة المشتملة على الكفر باللّه ومن ذلك ما جاء في بردة البوصيري:


يا أكرم الخلق من لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم



واعتقاد: أن أحداً يعلم الغيب مع اللّه كفر باللّه لقوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللّه وما يشعرون أيان يبعثون}.

خامساً: أن الاحتفال بمولده صلى اللّه عليه وسلم تشبه بالنصارى الذي يحتفلون بميلاد المسيح عليه السلام وقد جاء في صحيح البخاري قوله صلى اللّه عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبداللّه».

سادساً: يعتذر بعض المحتفلين بمولد النبي صلى اللّه عليه وسلم بقولهم نحن نحب النبي صلى اللّه عليه وسلم ونريد الخير والثواب في ذلك.

فالجواب بأن يقال: إن حسن القصد أو إرادة الخير ليس مبرراً كافياً لصحة العمل، وإلا لو كان الأمر كذلك لصحت صلاة الظهر خمسا لمن أراد الخير في زيادة ركعة خامسة، وكذا الطواف حول البيت عشراً لمن أراد الخير في زيادة ثلاثة أشواط.

ورضي اللّه عن الصحابي الجليل عبداللّه بن مسعود عندما أنكر على جماعة ابتدعوا في الأذكار فقالوا: يا أبا عبدالرحمن واللّه ما أردنا إلا الخير فقال لهم: (وكم من مريدٍ للخير لم يصبه).

ولهذا قرر العلماء قاعدة جليلة وهي أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين اثنين عظيمين: الإخلاص للّه تعالى والمتابعة للنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو معنى قوله تعالى: {هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}.

قال الفضل بن عياض: (أحسنه أخلصه وأصوبه أي خالصاً للّه صواباً على سنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم).

ومن الأمور المنكرة التي تحصل في بعض احتفالات المولد النبوي اختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات بل قد يصل الأمر والعياذ باللّه إلى الشرك الأكبر والاستغاثة بالنبي صلى اللّه عليه وسلم أو غيره من الأولياء.

ومن الأمور المنكرة والقبيحة قيام بعضهم عند ذكر ولادته صلى اللّه عليه وسلم إكراماً له وتعظيماً لاعتقادهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحضر المولد في مجلس احتفالهم ولهذا يقومون له محيين ومرحبين. وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ولا يتصل بأحد من الناس ولا يحضر اجتماعهم بل هو مقيم في قبره صلى اللّه عليه وسلم إلى يوم القيامة وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار كرامته، قال صلى اللّه عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من يشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع» أخرجه مسلم. وهذا دليل على أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة.

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه اللّه - (وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم) أ.ه . نسأل اللّه تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يردهم إلى التوحيد والسنة رداً جميلاً.

 

منقول عن موقع صيد الفوائد

 

 

المولد النبوي بين الاتباع والابتداع

بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني
المَوْلِدُ النَّبويُّ بينَ الاتِّباعِ والابتداعِ



الحمدُ للهِ الَّذي أَرسَلَ رسولَه بالهدى ودينِ الحقِّ لِيُظهِرَه على الدِّينِ كُلِّه, أَحمَدُه سُبحانَه وأَشكُرُه، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على عبدِ اللهِ ورسولِه مُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، أعلى النَّاسِ منزلةً، وأعظمِهم قدرًا, وأسماهم ذِكرًا.
خيرُ الأنامِ، وبدرُ الظَّلامِ، وماءُ الغمامِ، أَحبَّكَ ربِّي فصَلَّى عليكَ، عليكَ الصَّلاةُ وأزكى السَّلامِ؛ وعلى آلِه وصحبِه أُولِي النُّهى والأحلامِ، والتَّابعينَ لهم، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ.

أمَّا بعدُ؛ فإنَّ مَولِدَه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان حَدَثًا عظيمًا، وهذا الحدثُ انقسم النَّاسُ فيه إلى فريقينِ:
- مُتَّبِعٌ لِمَا جاء عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- باتِّباعِ ما أمر، واجتنابِ ما عنه نهى وزَجَرَ.
- ومُبتدِعٌ ابتَدَع بِدَعًا حسَّنها له ذَوقُه وهواه، وزيَّنها له شيطانُه ونفسُه، فنشأ عندَ بعضِ الضُّلَّالِ من الرَّافضةِ والصُّوفيَّةِ وجَهَلةِ المسلمين ما يُسمَّى بالاحتفالِ بيومِ (المَوْلِدِ النَّبويِّ الشَّريفِ)!

وقبلَ التَّحقيقِ المُوجَزِ لهذه المسألةِ، ينبغي أن يَعلَمَ الجميعُ: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-ما مات إلَّا وقد بيَّن لنا أحكامَ الدِّينِ أَكمَلَ بيانٍ وأَوضَحَه، بل ما مات -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-وطائرٌ يُقلِّبُ جناحَيْه في السَّماءِ إلَّا وعندَ الأُمَّةِ منه خبرٌ.

في يومِ الحجِّ الأكبرِ أَنزَلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- على نبيِّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- آيةً من كتابِه بَيَّنَ فيها كمالَ الدِّينِ وتمامَه؛ فقال جَلَّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: 3].

تَأمَّلُوا في قولِه: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}؛ جاء بلَفْظةِ الكمالِ هنا، معَ وُرُودِ لفظةِ التَّمامِ في ذاتِ الآيةِ؛ فما الفرقُ بينَ الكمالِ والتَّمامِ في القرآنِ الكريمِ؟ عِلْمًا أنَّ لفظةَ الكمالِ بسياقِها في القرآنِ لم تَرِدْ إلَّا في موضعينِ:

- في آياتِ الصِّيامِ، في سورةِ البقرةِ، في قولِ اللهِ تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}[البقرة: 158].

- وفي هذه الآيةِ. وتَأمَّلُوا ذلك في كتابِ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى.
إنَّ المُتأمِّلَ في لفظةِ(الكمال) يُدرِكُ أنَّه لا يُؤتَى بها إلَّا في الشَّيءِ الَّذي لا يُمكِنُ أن يُزادَ عليه، بل الزِّيادةُ عليه ممَّا يُعابُ لا ممَّا يُستحسَنُ، وممَّا يُرَدُّ بغيرِ قَبُولٍ، فإذا بلغ الشَّيءُ المِثالَ الأَعلى يُقالُ له: كَمُلَ، أَو كَمَالٌ. ولذلك قال اللهُ هنا: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.

أمَّا التَّمامُ فقد يُزادُ عليه، والزِّيادةُ فيه مقبولةٌ أحيانًا، ولذلك قال اللهُ هنا: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}؛ فقد يُتِمُّ اللهُ على العبدِ نعمةً، ثُمَّ يَمُنُّ عليه بزيادةِ نِعَمٍ على نِعَمِه الَّتي آتاه، فتكونُ الزِّيادةُ والتَّمامُ له بالنِّعَمِ ممَّا يُقبَلُ ويُحمَدُ.

وعليه فإنَّ الدِّينَ قد كَمُلَ فلا يَقبَلُ الزِّيادةَ، فمَن زاد في الدِّينِ فقد أَنقَصَه، كما أنَّ النَّقصَ فيه نقصٌ، ولذلك جاء في الصَّحيحينِ من حديثِ أُمِّنَا عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ؛ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي روايةِ مُسلمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ».

فهذا الحديثُ أصلٌ من أصولِ الدِّينِ، أصلٌ لِرَدِّ كُلِّ مُحدَثةٍ وبدعةٍ، قال الحافظُ ابنُ رجبٍ -رحمه اللهُ تعالى-: (فكُلُّ مَن أَحدَث شيئًا، ونَسَبَه إلى الدِّينِ، ولم يكنْ لهُ أصلٌ من الدِّينِ يُرجَعُ إليه = فهو ضَلالةٌ، والدِّينُ بريءٌ منه، وسواءٌ في ذلك مسائلُ الاعتقادِ أو الأعمالِ أو الأقوالِ الظَّاهرةِ والباطنةِ) [«جامع العلوم والحِكَم»2/128]، فإذا تَقرَّر هذا الأصلُ فنَلِجُ إلى مسألةِ الاحتفالِ بالمَوْلِدِ النَّبويِّ، وحُكمِه، فنقولُ:

الَّذي يَظهَرُ -واللهُ تعالى أعلمُ- أنَّ الاحتفالَ بالمولدِ النَّبويِّ بدعةٌ مُنكَرةٌ، يجبُ إنكارُها والتَّحذيرُ منها، وليست كما قال بعضُهم: مسألةٌ اجتهاديَّةٌ يسوغُ فيها الخلافُ. بل لا خلافَ في بِدْعيَّتِها، وتظهرُ بدعيَّتُها من أوجهٍ:

أوَّلًا: ينبغي أن يُعلَمَ أنَّه لا يَثبُتُ بدليلٍ صحيحٍ، أو نقلٍ صريحٍ من أهلِ التَّاريخِ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وُلِد في اليومِ الثَّاني عشَرَ من شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ، بل إنَّ في تاريخِ مَوْلِدِه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- خِلافًا مشهورًا، فلا يَثبُتُ أنَّه وُلِد في هذا التَّاريخِ، وصَحابتُه -رضوانُ اللهِ عليهم- لم يعلموا أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وُلِد يومَ الاثنينِ إلَّا منه، فهو أعلمُ النَّاسِ بمَوْلِدِه، ومعَ هذا لم يُحدِّدْ لهم أيَّ اثنينِ هو؟ ولا سألوه هم؛ لأنَّ الدِّينَ عملٌ لا حَدَثٌ.

فلم يَثبُتْ على وجهِ التَّحديدِ تاريخُ ولادةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-،وإنَّما ذَكَرَ أهلُ السِّيَرِ في ذلك أقوالًا مُتعدِّدةً، قد اشتَهَر القولُ بأنَّ مَولِدَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان في الثَّاني عشَرَ من شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ، وقد رجَّحه بعضُ العلماءِ، إلَّا أنَّ ذلك لا يثبتُ بوجهٍ صحيحٍ.

ثانيًا: لا يُعلَمُ من أحدٍ من أهلِ القرونِ المُفضَّلةِ أنَّهم احتَفَلوا بالمولدِ النَّبويِّ،وقد بيَّن النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خيرَ القرونِ بقولِه: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[مُتَّفَقٌ عليه]، والخيريَّةُ هنا في الاتِّباعِ، فلم يُنقَلْ في تاريخِ الصَّحابةِ، والتَّابعين، وتابِعِيهم، وتابعِي تابِعِيهم، بل إلى ما يَزِيدُ على ثَلاثِمِئةٍ وخمسينَ سنةً هجريَّةً، لم نَجِدْ أحدًا لا من العلماءِ، ولا من الحُكَّامِ، ولا حتَّى من عامَّةِ النَّاسِمَن قال بهذا، أو أمر به، أو حثَّ عليه؛ بل وَرَدَ ما يَدُلُّ على خلافِه، وذلك أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ -رضي اللهُ عنه- أرَّخ التَّاريخَ بالهجرةِ النَّبويَّةِ، ولم يُؤرِّخْه بميلادِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، كما فعل أهلُ الكتابِ في عيسى ابنِ مريمَ عليه السَّلامُ؛ لِيُعلِمَ النَّاسَ أنَّنا أُمَّةُ عملٍ، لا أُمَّةُ أزمنةٍ وحوادثَ مُجرَّدةٍ!

قال الحافظُ السَّخاويُّ -رحمه اللهُ تعالى- في «فتاويه»: (عملُ المَوْلِدِ الشَّريفِ لم يُنقَلْ عن أحدٍ من السَّلفِ الصَّالحِ في القرونِ الثَّلاثةِ الفاضلةِ، وإنَّما حدث بعدَهم) [نقلًا عن «سُبُل الهُدَى والرَّشاد» للصَّالحيِّ 1/439، ط. وزارة الأوقاف المصريَّة].

إذًا، السُّؤالُ المُهِمُّ: متى حدث هذا الأمرُ؟ [أَعنِي الاحتفالَ بالمولدِ النَّبويِّ]، وهل الَّذي أَحدَثه علماءُ أَو حُكَّامُ وملوكُ وخلفاءُ أهلِ السُّنَّةِ ومَن يُوثَقُ بهم، أم أحدٌ غيرهم؟
والجوابُ عن هذا السُّؤالِ باختصارٍ، كما قرَّره أهلُ التَّواريخِ والسِّيَرِ والمعرفةِ بأحوالِ النَّاسِ:

أنَّه حدث في القرنِ الرَّابعِ الهجريِّ، على يدِ حُكَّامِ الدَّولةِ العُبَيديَّةِ الرَّافضيَّةِ [المُسمَّاةِ زُورًا بالفاطميَّةِ]؛ فهو ابتداعٌ مِن دولةٍ رافضيَّةٍ، ذاتِ زُورٍ وبهتانٍ، وهذه البدعةُ نشأت عندَهم من الغُلُوِّ في آلِ البيتِ، المُتمثِّلِ في إقامةِ مَوْلِدِ عليٍّ، وفاطمةَ، والحسنِ، والحُسَينِ، فحَشَروا بدعةَ المولدِ النَّبويِّ بينَ هذه البدعِ تماشيًا معَ بدعِهم!!

ثالثًا: العباداتُ مبنيَّةٌ على التَّوقيفِ؛ فلا يُتعبَّدُ للهِ -عزَّ وجلَّ- إلَّا بدليلٍ من الكتابِ أو السُّنَّةِ، فهل اللهُ سبحانه تَعبَّدَنا بالاحتفالِ بالنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وبمَولِدِه، أم تَعبَّدَنا باتِّباعِه والسَّيرِ على منهجِه واقتفاءِ أثرِه؟ يقولُ اللهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21].

قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ -رحمه اللهُ تعالى-: (هذه الآيةُ الكريمةُ أصلٌ كبيرٌ في التَّأسِّي برسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في أقوالِه، وأفعالِه، وأحوالِه)[«تفسير ابن كثير»6/391].

لمَّا ادَّعى قومٌ محبَّةَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؛ ابتلاهم اللهُ بهذه الآيةِ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران: 31]، فمَن ادَّعى محبَّةَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فإنَّه يُطالَبُ باتِّباعِه، لا بالاحتفالِ بمَولِدِه!

رابعًا: هل أَمَرَنا النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بهذا، أو ذَكَّرَ به، أم أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حذَّر مِن مثلِ هذا التَّصرُّفِ؛ من إطرائِه وتَجاوُزِ الحدِّ فيه؟!
لقد حذَّر من ذلك على المنبرِ بقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»[أخرجه البخاريُّ]، ولذلك يقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّور: 63]. قال ابنُ كثيرٍ -رحمه اللهُ تعالى-: (أي: فَلْيَحذَرْ وَلْيَخْشَ مَن خالَفَ شريعةَ الرَّسولِ باطنًا أو ظاهرًا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي: في قلوبِهم، من كُفرٍ أو نفاقٍ أو بدعةٍ، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: في الدُّنيا؛ بقتلٍ، أو حدٍّ، أو حبسٍ، أو نحوِ ذلك)[«تفسير ابن كثير»6/90].

فنحنُ أُمِرْنا بالاتِّباعِ لا الابتداعِ، وبالمحبَّةِ له -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لا بتجاوزِ الحدِّ فيه، وبتوقيرِه لا برفعِه عن منزلتِه. والَّذي يفعلُ هذا الأمرَ داخلٌ ضِمنَ الوعيدِ الَّذي تَوعَّد اللهُ -عزَّ وجلَّ- صاحبَه وفاعلَه بقولِه: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النِّساء: 115]، والَّذي يفعلُ ما يُسمَّى بالمولدِ ويحتفلُ به لاشكَّ أنَّه مُتَّبِعٌ لغيرِ سبيلِ المؤمنين من الصَّحابةِ والتَّابعين وتابعيهم.

خامسًا: أيُّهما أعظمُ: يومُ المَولِدِ، أم يومُ البَعْثةِ؟
يومُ المولدِ عظيمٌ، لكنَّ يومَ البعثةِ أعظمُ، ففيه نزل على مُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- القرآنُ، وشُرِّفَ بالنُّبوَّةِ، ومعَ ذلك لم يُحدِّدْ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يومَ البعثةِ؛ لأنَّه ليس محلًّا لعملٍ خاصٍّ؛ فكيف يُعظَّمُ يومُ المولدِ؟!

واللهُ تعالى لم يُنوِّهْ في القرآنِ بمَولِدِه، وإنَّما نَوَّه ببعثتِه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].

سادسًا: الاحتفالُ بالمولدِ النَّبويِّ يفتحُ البابَ على مِصْراعَيْهِ للبدعِ الأخرى والموالدِ والاحتفالاتِ، كما هو حالُ الجهلةِ الآنَ، من إقامةِ الاحتفالاتِ بذكرى الهجرةِ، والإسراءِ والمعراجِ، ومعركةِ بدرٍ، ومولدِ البدويِّ، والدُّسوقيِّ، والشَّاذُليِّ، حتَّى صار غالبُ دينِ هؤلاءِ احتفالاتٍ ورقصًا وغناءً وذكرياتٍ! وإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون.

سابعًا: إنَّ هذا الاحتفالَ معَ كونِه بدعةً في الدِّينِ، فهو كذلك مُشابَهةٌ للنَّصارى في احتفالاتِهم البدعيَّةِ بمولدِ المسيحِ عيسى عليه السَّلامِ، في كُلِّ سنةٍ، وقد نُهِينا عن مُشابَهتِهم في عباداتِهم وأعيادِهم وعاداتِهم الَّتي اختُصُّوا بها.

وممَّا سبق يَتبيَّنُ أنَّ هذا العملَ ليس من هديِ نبيِّنا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ولا من هديِ خلفائِه، ولا مَن جاء بعدَهم، بل هو بدعةٌ رافضيَّةٌ مَقِيتةٌ، وحَدَثٌ صُوفيٌّ رذيلٌ، وفعلٌ من الجهلةِ قبيحٌ.


نسألُ اللهَ الهدايةَ لجميعِ المسلمين، والنَّجاةَ من البدعِ والمُحدَثاتِ، اللَّهُمَّ آمينَ.
واللهُ تعالى أعلمُ وأحكمُ.

 

منقول عن موقع صيد الفوائد

 

 

ما هو يوم عاشوراء وما سبب وحُكم صيامه؟

يعتبر اليوم العاشر من شهر محرّم هو يوم عاشوراء عند المسلمين، وهو من الأيّام المستحبّ صيامها عند أكثر أهل العلم، وقد ورد في ذلك الكثير من الأحاديث التي تذكر فضل يوم عاشوراء وأجر صيامه.

سبب صيام عاشوراء
لقد كان السّبب الرّئيسي وراء تشريع صيام يوم عاشوراء هو أنّ الله سبحانه وتعالى قد نجّى فيه سيّدنا موسى عليه السّلام وقومه بني إسرائيل من بطش فرعون وملئه، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى - عند مسلم شكراً - فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم .

ومن المستبحبّ أن يصوم المسلم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من محرّم، وذلك لما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) رواه مسلم.

مراتب صيام عاشوراء
ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: (حين صام رسول ‏الله - صلّى الله عليه وسلّم - يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنّه يوم تعظّمه ‏اليهود والنّصارى! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فإذا كان العام المقبل إن شاء ‏الله، صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفّي رسول الله صلّى الله عليه ‏وسلّم) رواه مسلم.

وورد عند الإمام أحمد في ‏المسند، والبيهقي في السّنن، عن ابن عباس، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (صوموا يوم ‏عاشوراء وخالفوا فيه اليهود: صوموا قبله يوماً، وبعده يوماً)، وعند الإمام أحمد أيضاً وابن خزيمة: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).

وبناءً على هذه الأحاديث وغيرها، فإنّ مراتب صيام يوم عاشوراء تكون ثلاثةً، حيث قال ابن القيم: (فمراتب صومه ‏ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التّاسع والعاشر، وعليه ‏أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصّوم. وأمّا إفراد التاسع، فمن نقص ‏فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشّرع) زاد ‏المعاد لابن القيم، كما أنّ ابن حجر قد ذكر هذه المراتب في كتابه فتح الباري.

حكم صيام عاشوراء
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (أمَر النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - رجلًا من أسلَمَ: أن أذِّنْ في النّاسِ: أن مَن كان أكَل فليَصُمْ بقيةَ يومِه، ومَن لم يكُنْ أكَل فليَصُمْ، فإنّ اليومَ يومُ عاشوراءَ) رواه البخاري، وقد وردت الكثير من الأحاديث في التّخيير في أمر الصّيام، فمن شاء صام ومن شاء ترك الصّيام، وقد جاء هذا التّخيير في الأحاديث لإبطال الإيجاب، وليس لإبطال الاستحباب، وذلك لأنّ صيام يوم عاشوراء كان في بداية الإسلام أمراً واجباً أمر به الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - حتّى أنّه كان قد أمر من تناول الطّعام أن يمسك ويصوم، وذلك كما ورد في حديث سلمة بن الأكوع السّابق، والنّبي - صلّى الله عليه وسلّم - صامه وأمر المسلمين بصيامه.

وقد شرع لنا الله عزّ وجلّ أن نخالف أهل الكتاب من خلال صيام يوم قبله، فقد ورد في مسند أحمد، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (لئن سَلِمْتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسعَ، يعني عاشوراءَ)، فلم يأت العام التّالي إلا وقد توفّي النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد جاء الأمر بصيام يوم قبل يوم عاشوراء ويوم بعده.

ولا يعدّ صيام يوم عاشوراء مشابهةً لأهل الكتاب، لأنّنا كمسلمين نأخذ بالسّبب الذي أخذوا به وهو لنا في الشّرع صحيح، وهم قد أخذوا به وهم كفّار وبالتالي فإنّه لا ينفعهم في شيء، فقد أخرج مسلم: (كان أهلُ خيبرَ يصومون يومَ عاشوراءَ، يتَّخِذونَه عيدًا، ويُلبسُون نساءَهم فيه حُلِيَّهُم وشارَتَهم، فقال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فصوموه أنتُم).

وقد قال بعض الفقهاء إنّه يكره صيام عاشوراء وحده، وقال بعضهم إنّه أمر مباح، وقد اختار شيخ الإسلام: أنّه لا يكره صيام عاشوراء وحده، ولا شكّ أنّه ينبغي أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، ولا يصومه وحده، ولكن لو أنّ إنساناً لم يستطع صوم عاشوراء إلا وحده فحينئذٍ نقول تزول الكراهة للحاجة، أمّا لغير حاجة فلا ينبغي صيامه وحده، وهذا ابن عباس راوي بعض أحاديث صيام يوم عاشوراء يصوم يوماً قبله ويوماً بعده مع صيام عاشوراء.

فضل صيام عاشوراء
عن أبي قَتادة رضي الله تعالى عنه، عن الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (صوم عاشوراء يكفِّر السّنة الماضية، وصوم عرفة يكفِّر سنتين: الماضية والمستقبَلة) رواه النَّسائي في السّنن الكبرى، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: (ما رأيت النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يتحرّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشّهر، يعني شهر رمضان) رواه البخاري، ومسلم، والنَّسائي، وأحمد.

ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرّم على الصّحيح، وهذا هو ما ذهب إليه جمهور العلماء، وهو ليس اليوم التّاسع كما يقول البعض منهم، وذلك أنّ كلمة عاشوراء جاءت بمعنى اليوم العاشر، وهذا هو مقتضى الاشتقاق والتّسمية، وأنَّ اليوم التاسع يسمى تاسوعاء.

وأمّا جزاء صيام يوم عاشوراء فإنّه تكفير لذنوب العام الماضي، وذلك لما جاء في صحيح مسلم: (أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفّر السّنة الماضية).

أحاديث عن عاشوراء وردت الكثير من الأحاديث والأقوال التي تذكر فضل صيام يوم عاشوراء، وهي على النّحو الآتي:

عن عبد الله بن أبي يزيد، أنّه سمع ابنَ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما، وسُئل عن صيامِ يومِ عاشوراءَ، فقال: (ما علمتُ أنَّ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - صام يومًا، يطلُبُ فضلُه على الأيّامِ، إلا هذا اليومَ. ولا شهرًا إلا هذا الشهرَ، يعني رمضانَ) رواه مسلم، وفي لفظ: (ما رأيت النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء..) أخرجه البخاري، ومسلم، والنّسائي، وأحمد.

عن أبي قتادة رضي الله عنه، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السّنة التي قبله) أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والبيهقي .

قال النّووي: (يكفّر كلّ الذّنوب الصّغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر)، ثمّ قال: (صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.. كلّ واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفّره، وإن لم يصادف صغيرةً ولا كبيرةً كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات، وإن صادف كبيرةً أو كبائر، ولم يصادف صغائر، رجونا أن تخفّف من الكبائر) المجموع.

وقال ابن تيمية: (وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصغائر فقط) الفتاوى الكبرى.

الأمر بصيامه
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:(قدم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوّهم، فصامه، فقال: أنا أحقّ بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي .

عن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت: (أرسل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائماً فليتمّ صومه، ومن كان مفطراً فليتمّ بقيّة يومه، فكنّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّمه صبياننا الصّغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إيّاه، حتى يكون الإفطار) أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وابن حبّان، والطبراني، والبيهقي .

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أمر رجلاً من أسلم: (أن أذِّن في النّاس: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإنّ اليوم عاشوراء) أخرجه البخاري، ومسلم، والنّسائي، والدّارمي، وابن خزيمة، وابن حبّان، والبيهقي، والبغوي في شرح السّنة .

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كان يوم عاشوراء يوماً تعظّمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: صوموه أنتم)، وفي رواية لمسلم: (كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتّخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليّهم وشارتهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فصوموه أنتم) أخرجه البخاري ومسلم . ا

التخيير في صيامه
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر)، وفي رواية: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يصومه في الجاهلية، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلمّا فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد .

عن عائشة رضي الله عنها: (أنّ قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهليّة، ثمّ أمر رسول الله بصيامه، حتّى فرض رمضان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره) رواه مسلم، وفي رواية للبخاري: (كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة) أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي.

عن حميد بن عبدالرحمن أنّه سمع معاوية رضي اللَّه عنه يقول: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: (هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر) أخرجه البخاري، ومسلم، والنّسائي، وابن حبّان .

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثّنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده) أخرجه مسلم، وأحمد، وابن خزيمة.

خطبة بعنوان: صفة الحج والعمرة

لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على العباد أجمعين، وجعل دينه مبنيا على تحقيق العبادة لله رب العالمين، ميسرا، سمحا، سهلا، لا حرج فيه ولا مشقة، ولا تضيق، ولا تعسير.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي القدير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: إنكم تستقبلون في هذه الأيام السفر إلى بيت الله الحرام، راجين من الله تكفير ذنوبكم والآثام، والفوز بدار السلام، والخلف العاجل عما انفقتموه في هذا السبيل من الأموال.

فيا أيها المسلمون: إنكم تتوجهون إلى بيت ربكم وحرماته إلى أمكنة فاضلة، تؤدون فيها عبادة من أفضل العبادات، لستم تريدون بذلك نزهة، ولا فخرا، ولا رياءً، بل تريدون عبادة تتقربون بها إلى الله، وتخضعون فيها لعظمة ربكم.

فأدوها -أيها المسلمون-: كما أمرتم من غير غلو، ولا تقصير، ولا إهمال، ولا تفريط، وقوموا فيها بما أوجب الله عليكم، من الطهارة، والصلاة، وغيرها من شرائع الدين.

إذا خرجتم مسافرين إليها، فاستحضروا أنكم خارجون لعبادة من أجل الطاعات.

وفي سفركم التزموا القيام بالواجبات، من الطهارة، والجماعة للصلاة، فإن كثيرا من الناس يفرطون في الطهارة، فيتيممون مع إمكان الحصول على الماء، وإن من وجد الماء، فلا يجوز له أن يتيمم.
وبعض الناس يتهاون بالصلاة مع الجماعة، فتجده يتشاغل عنها بأشياء يدركها بعد الصلاة.

وإذا صليتم، فصلوا قصرا تجعلون الصلاة الرباعية ركعتين من خروجكم من بلدكم، حتى ترجعوا إليه، إلا أن تصلوا خلف إمام يتم، فأتموها أربعا تبعا للإمام سواء أدركتم الصلاة، أو فاتكم شيء منها.

وأما الجمع، فإن السنة للمسافر، ألا يجمع إلا إذا جد به السير، وأما النازل في مكان، فالسنة ألا يجمع.

وأما الرواتب التابعة للمكتوبات، فالأولى تركها إلا سنة الفجر.

وأما الوتر، وبقية النوافل، فإنهما يفعلان في الحضر والسفر.

وتحلوا بالأخلاق الفاضلة من، السخاء، والكرم، وطلاقه الوجه، والصبر على الآلام، والتحمل من الناس، فإن الأمر لا يدوم.

وللصبر عاقبة محمودة، وحلاوة لذيذة.
وإذا وصلتم الميقات، فاغتسلوا، وتطيبوا في أبدانكم في الرأس واللحية.

ثم أحرموا بالعمرة متمتعين، وسيروا إلى مكة ملبين، فإذا بلغتم البيت الحرام، فطوفوا سبعة أشواط طواف العمرة.

واعلموا أن جميع المساجد مكان للطواف القريب من الكعبة والبعيد، لكن القرب منها أفضل، إذ لم تتأذ بالزحام، فإذا كان زحام، فأبعد عنه، والأمر واسع -ولله الحمد-.

فإذا فرغتم من الطواف، فصلوا ركعتين خلف مقام إبراهيم إما قريبا منه، إن تيسر، وإلا فلو بعيد المهم أن يكون المقام بينك وبين الكعبة.
ثم اخرجوا لسعي العمرة، وابدأوا بالصفا.

فإذا أكملتم الأشواط السبعة، فقصروا من رؤوسكم من جميع الرأس، ولا يجزئ التقصير من جانب واحد لا تغتروا بفعل الكثير من الناس.

فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فاغتسلوا، وتطيبوا، وأحرموا بالحج من مكان نزولكم، واخرجوا إلى منى، وصلوا بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة، والفجر، قصرا من غير جمع؛ لأن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر بمنى، وفي مكة، ولا يجمع.

فإذا طلعت الشمس يوم عرفة، فسيروا ملبين، خاشعين لله إلى عرفة، واجمعوا فيها بين الظهر والعصر جمع تقديم على ركعتين.

ثم تفرغوا للدعاء، والابتهال إلى الله.

واحرصوا أن تكونوا على طهارة، واستقبلوا القبلة، ولو كان الجبل خلفكم؛ لأن المشروع استقبال القبلة.

وانتبهوا جيدا لحدود عرفة وعلاماتها، فإن كثيرا من الحجاج يقفون دونها، ومن لم يقف بعرفة، فلا حج له؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحج عرفة"

وكل عرفة موقف شرقيها وغربيها، وجنوبيها وشماليها، إلا بطن الوادي، وادي عرنة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف"
فإذا غربت الشمس، وتحققتم غروبها، فادفعوا إلى مزدلفة ملبين خاشعين.

والزموا السكينة ما أمكنكم، كما أمركم بذلك نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فلقد دفع من عرفة، وقد شنق لناقته الزمام، حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده الكريمة: "أيها الناس السكينة السكينة"

فإذا وصلتم مزدلفة، فصلوا بها المغرب والعشاء، ثم بيتوا بها إلى الفجر.

ولم يرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد في الدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا للضعفة رخص لهم أن يدفعوا في آخر الليل.

فإذا صليتم الفجر، فاتجهوا إلى القبلة، وكبروا الله، واحمدوه، وادعوه حتى تسفروا جدا، ثم سيروا قبل طلوع الشمس إلى منى، ثم القطوا سبع حصيات، واذهبوا إلى جمرة العقبة، وهي الأخيرة التي تلي مكة، وارموها بعد طلوع الشمس بسبع تكبرون الله مع كل حصاة، خاضعين له، معظمين.

واعلموا أن المقصود من الرمي تعظيم الله، وإقامة ذكره.

ويجب أن تقع الحصاة في الحوض، وليس بشرط أن تضرب العمود.

فإذا فرغتم من رمي الجمرة، فاذبحوا الهدي، ولا يجزئ في الهدي إلا ما يجزئ في الأضحية.

ولا بأس أن توكل شخصا يذبح لك.

ثم احلقوا بعد الذبح رؤوسكم، ويجب حلق جميع الرأس، ولا يجوز حلق جميع الرأس، ولا يجوز حلق بعضه دون بعض.

والمرأة تقصر من أطراف رأسها بقدر أنملة.


وبعد ذلك حللتم التحلل الأول، فالبسوا، وقصوا أظفاركم، وتطيبوا، ولا تأتوا النساء.

ثم انزلوا قبل صلاة الظهر إلى مكة، وطوفوا للحج، واسعوا، ثم، ارجعوا إلى منى.

وبالطواف والسعي مع الرمي، والحلق حللتم التحلل الثاني، وجاز لكم كل شيء، حتى النساء.
أيها الناس: إن الحاج يفعل يوم العيد أربعة أنساك: رمي الجمرة، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، والسعي، وهذا هو الترتيب الأكمل

ولكن لو قدمتم بعضها على بعض، فحلقتم قبل الذبح مثلا، فلا حرج، ولو أخرتم الطواف والسعي حتى تنزلوا من منى، فلا حرج، ولو أخرتم الذبح، وذبحتم في مكة في اليوم الثالث عشر، فلا حرج، لا سيما مع الحاجة والمصلحة.

وبيتوا ليلة الحادي عشر بمنى، فإذا زالت الشمس، فارموا الجمرات الثلاث مبتدئين بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة كل واحدة بسبع حصيات تكبرون مع كل حصاة.

ووقت الرمي في يوم العيد للقادر من طلوع الشمس، وللضعيف من آخر الليل وآخره إلى غروب الشمس.

ووقته فيما بعد العيد من الزوال إلى غروب الشمس، ولا يجوز قبل الزوال، ويجوز الرمي في الليل، إذا كان الزحام شديدا في النهار.

ومن كان لا يستطيع الرمي بنفسه لصغر أو كبر أو مرض، فله أن يوكل من يرمي عنه، ولا بأس أن يرمي الوكيل عن نفسه، وعمن وكله في مقام واحد، لكن يبدأ بالرمي لنفسه.

فإذا رميتم اليوم الثاني عشر، فقد انتهى الحج، وأنتم بالخيار، إن شئتم تعجلتم، ونزلتم، وإن شئتم، فبيتوا ليلة الثالث عشر.

وارموا الجمار الثلاث بعد الزوال، وهذا أفضل؛ لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.


فإذا أردتم الخروج من مكة، فطوفوا للوداع، والحائض والنفساء لا وداع عليهما، ولا يشرع لهما المجيء إلى باب المسجد، والوقوف عنده.

أيها المسلمون: هذه صفة الحج، فاتقوا الله فيه، ما استطعتم، واسمعوا، وأطيعوا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بِما فيه من الآيات والذكْر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا مباركًا طيِّبًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو الله بها النجاة يوم نلاقيه، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

أيها المسلمون، فاذكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم، وأقيموه لله مُخلصين ولرسوله متَّبعين، واسألوا الله عليه الثبات إلى يوم تلقون رب العالمين .

أيها المسلمون، إن دين الإسلام وصفه الله تعالى بأنه كامل، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)
ولهذا كان الدين الإسلامي وسطًا بين الأديان السابقة وعدلاً خيارًا ومُهيمنًا عليها، ناسخًا لها، فلا قيام للأديان السابقة مع الدين الإسلامي، ومِن وسطيّته وعدله بين الأديان: أنه كانت شريعة التوراة إذا قتل أحدٌ أحدًا فإنه يجب قتله ولا خيار لأولياء المقتول في العفو عنه كما قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إلى آخر الآية، وكانت شريعة عيسى بن مريم دون ذلك فكانت توجِبُ السماح والعفو؛ لأن الناس في ذلك الوقت لا يُطيقون المقاصَّة، أما هذا الدين الإسلامي فكان عدلاً ورحمة كما قال الله عزَّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

 

مقالات طب الحج و الحجيج

 

 

مقالات طب الحج و الحجيج -- إضغط هنا

 

 

 

المجلس الثاني عشر من مجالس شَهر رمضان (في النوع الثاني من تلاوة القرآن)

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغفر له:-

سبق في المَجْلِس الخامسِ أنَّ تِلاوةَ القرآنِ على نوعيْن:-

النوع الأول: تلاوةِ لفظِهِ وهي قراءته وتقدَّم الكلامُ عليها ، والنوعُ الثاني تلاوةُ حُكمِه بتصديقِ أخبارِهِ واتَّباعِ أحكامِهِ، فعْلاً للمأموراتِ وتركاً للْمنهِيَّات. ، وهذا النَّوعُ هو الغايةُ الْكُبرَى من إنزال القرآن .

ولهذا دَرَجَ السلف الصالحُ -رضي الله عنهم-على ذلك يتعلَّمون القرآن، ويصدِّقون بِهِ، ويُطبقون أحْكامَه تطبيق إيْجاب، وهذا النوعُ من التلاوة هو الَّذِي عليه مَدار السعادةِ والشقاوةِ،

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: «القرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك». وقال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: القرآنُ شافعٌ مُشفَّعٌ فمَن جَعلَه أمَامَهُ قادهُ إلى الجنةِ ،ومن جعله خلفَ ظهرهِ ساقَه إلى النار .

عبادَ الله: هذا كتابُ الله يُتْلى بَيْن أيْديكم ويُسْمَع،وهو القرآنُ الَّذي لو أُنزِلَ على جبلٍ لَرأيْتَه خاشِعاً يَتَصَدَّع، ومع هذا فلا أُذُنٌ تسمع، ولا عينٌ تدْمع، ولا قلبٌ يخشع، ولا امتثالٌ للقرآنِ فيُرجَى به أنْ يَشْفع، قلوبٌ خَلتْ من التَّقْوى فهي خَرَابٌ بَلْقَع، وتَرَاكمتْ عليها ظُلْمةُ الذنوب فهي لا تُبْصِرُ ولا تَسْمع، كم تُتْلى علينا آيَاتُ القرآنِ وقُلوبُنا كالحجارةِ أو أشد قَسْوة، وكم يتوالى علينا شهرُ رمضانَ وحالُنا فيه كحالِ أهلِ الشَّقْوة، لا الشَّابُّ منا يَنِتَهي عن الصَّبوة، ولا الشيخُ ينْتَهي عن القبيح فيَلْحقُ بأهلِ الصَّفوَة، أينَ نحنَ من قومٍ إذا سمِعُوا داعيَ الله أجابُوا الدَّعْوة، وإذا تُليتَ عليهم آياتُه وَجلَتْ قُلوبُهم وجَلتْهَا جَلْوَة، أولئك قومٌ أنْعَمَ الله علَيْهم فعرفُوا حقَّه فاختارُوا الصَّفوة.

إخواني: احفَظُوا القرآنَ قبلَ فواتِ الإِمكان، وحافِظُوا على حدودِهِ من التَّفْرِيطِ والعِصْيان. واعْلَمُوا أنَّه شاهدٌ لكم أوْ عليكم عند المَلِكِ الدَّيَّان، ليس مَنْ شُكْر نعمةِ الله بإِنْزَالِهِ أنْ نَتَّخِذَه وراءَنا ظِهْريَّاً، وليس مِنْ تعظيمِ حرمات الله أنْ تتخذَ أحكامَه سِخْرياً.

 

المصدر:
كتاب:مجالس شَهر رمضان.

 

 

المجلس الحادي عشر من مجالس شَهر رمضان (آداب الصيام المُستحبّة)

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغفر له:-

القسمُ الثّاني من آداب الصيام المُستحبّة ومنها :السُّحُورُ وهو الأكلُ في آخِرِ الليل سُمِّي بذلكَ لأنَّه يقعُ في السَّحَرِ فقد أمَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلّم- به فقال: «تَسحَّروا فإن في السحوَر بركة» ويَنْبَغِي للمتسحر أنْ ينْويَ بِسُحُوره امتثالَ أمر النبي -صلى الله عليه وسلّم-، والاقْتداءَ بفعلِهِ، ليكونَ سُحُورُه عبادةً، وأنْ ينويَ به التَّقَوِّيَ على الصيام ليكونَ له به أجرٌ. والسُّنَّةُ تأخيرُ السُّحورِ ما لَمْ يخْشَ طلوعَ الْفَجْرِ ،وتأخيرُ السُّحور أرفْقُ بالصائِم وأسْلَمُ من النومِ عن صلاةِ الفجرِ.

ومن آداب الصيام المستحبةِ: تعجيلُ الفُطور ،والسنَّة أنْ يفطِرَ على رُطَبٍ، فإن عُدِم فتمْر، فإنْ عُدِم فَمَاء، وينبغي أن يدعُوَ عند فِطرِه بما أحَبَّ، فعن النبيِّ -صلى الله عليه وسلّم- أنَّه قال: «إنَّ للصائِمِ عند فطْرِه دعوةً ما تُرَدُّ».

ومن آدابِ الصيامِ المستحبةِ: كثرةُ القراءةِ والذكرِ والدعاءِ والصلاةِ والصدقة.

ومن آداب الصيام المستحبةِ: أنْ يَسْتحضِرَ الصائمُ قدْرَ نعْمة الله عليه بالصيام حيثُ وفَّقَه له ويَسَّره عليه حتى أتمَّ يومَه وأكْملَ شَهْره، فإنَّ كثيراً من الناسِ حُرمُوا الصيامَ إمَّا بموتِهِم قبل بلوغِهِ أو بعجْزهم عنه أو بضلالهم وإعْرَاضِهِم عن القيام به،.

 

المصدر:
كتاب:مجالس شَهر رمضان.

 

 

المجلس العاشر من مجالس شَهر رمضان (في آداب الصّيام الواجبة)

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغفر له:-

اعْلَمُوا أنَّ للصيام آداباً كثيرةً لا يتمُّ إِلاّ بها ولا يكْمُلُ إِلاَّ بالقيامِ بها وهي على قِسمَين: آدابٌ واجبةٌ:لا بُدَّ للصائم من مُراعاتِها والمحافظةِ عليها

وآداب مستحبةٌ: ينبغي أن يُراعيها ويحافظَ عليها.

منَ الآداب الواجبةِ أنْ يقومَ الصائمُ بما أوجبَ الله عليه من العباداتِ القوْليَّةِ والفعليَّةِ ومن أهمِّها الصلاةُ والقيامِ بأرْكانِها وواجباتِها وشروطِها، فيؤديها في وقْتِها مع الجماعةِ في المساجِدِ، فإنَّ ذَلِكَ من التَّقْوى التي مِنْ أجْلها شُرعَ الصيامُ وفُرِضَ على الأمة، وإضاعةُ الصلاة مُنافٍ للتَّقْوى وموجبٌ للعقوبةِ.

ومِنَ الصائمين مَنْ يتهاونُ بصلاة الجماعةِ مع وُجوبها عليه ،وبتركِ الجماعةِ يَعرِّضُ نفْسَه للعقوبةِ ومشابهةِ المنافقينَ، ومن الصائمين مَنْ يتجاوزُ بالأمر فينامُ عن الصلاةِ في وقتِها، وهذا منْ أعظمِ المنكرات وأشدِّ الإِضاعَةِ للصلواتِ حتى قال كثيرٌ من العلماءِ: إن مَنْ أخَّرَ الصلاةَ عن وقتِها بدونِ عذْرٍ شرعيٍّ لَمْ تقبلْ وإن صلى مئة مرة.

ومن الآداب الواجبةِ: أن يجتِنبَ الصائمُ جميعَ ما حَرَّمَ الله ورسولُه مِنَ الأقوال والأفَعالِ، فيجت، ويجتنبَ الكذبَ وهو الإِخبار بخلاف الواقع ،ويجتنبُ الغِيْبَةَ،سواءٌ كان فيه ما تقُولُ أمْ لم يكُنْ يجتنبُ النَّمِيْمَةَ وهي نقْلُ كلامِ شخصٍ في شخصٍ إليهِ ليُفْسدَ بَينهما، وهي من كبائِر الذنوبِ، قال فيها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلّم-: «لا يدخلُ الجَنَّةَ نَمَّام»،

ويجتنبُ الْغِشَّ في جميع المعاملاتِ من بيعٍ وإجارةٍ وصناعةٍ ورهنٍ وغيرها، وفي جميع المناصحاتِ والمشوراتِ فإنَّ الغشَّ من كبائِر الذنوبِ.

فاحذورا أيها المسلَمونَ نواقضَ الصومِ ونواقِصَهُ، وصُونُوه عن قول الزُّورِ والعملِ به. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أنْ يَدَع طعامَهَ وشرابَه».

 

المصدر:
كتاب:مجالس شَهر رمضان.

 

 

Top