طباعة هذه الصفحة
- 4694 زيارة

حرية الاقتران بالشريك الآخر في الحياة

قيم الموضوع
(0 أصوات)

حرية الاقتران بالشريك الآخر في الحياة

إذا قيد هذا الحق من حقوق الإنسان انعدمت عنده أسمى معاني الكرامة الإنسانية ذلك لأن الاقتران بشريك الحياة ليس اقتران يوم أو يومين يسهل الانفكاك منه والتخلي عنه إنما هو اقتران وارتباط يكاد يكون أبديا

فهو اقتران في الدنيا وارتباط في الآخرة إذا كانا على نفس الملة ولذلك فإن الأمر ليس بالأمر الهين الذي يمكن فيه التفريط في حق الاختيار بل هو حق أصيل لا يمكن التنازل عنه ويمثل درجة قوية من درجات الكرامة الإنسانية

وقد كفل الإسلام هذا الحق للجميع  فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها )) رواه مسلم

فإذا كانت البنت بكراً وزوجها أبوها من غير كفءٍ فلها أن تطلب التطليق  وعليه يحمل حديث جابر عند النسائي : أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرَّق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوّجها من غير كفؤ، كذا في شرح الزرقاني

ولهذا قال العلماء : إذا لم تبلغ يجوز نكاح وليها بغير إذنها إلاَّ أن لها خيار الفسخ عند البلوغ إذا كان الزوج غير كفءٍ

وقد أوضح قوله "البكر تُستأذن" أن البنت لها الحق والاستئذان منافٍ للإِجبار، وإنما وقع التفريق في الحديث بين الثيب والبكر لأن الثيب يخطب إلى نفسها، والبكر يخطب وليها فيستأذن

أما الأيم فهي الثيّب التي لا زوج لها إذا كانت بالغةً عاقلة ،

ومَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الأيّمُ أحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا" ـ عندَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ ـ: أنّ الوَلِيّ لاَ يُزوّجُهَا إلاّ بِرِضَاهَا وأمْرِهَا: فإنْ زَوّجَهَا فَالنّكَاحُ مَفْسُوخٌ: عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَم، حَيْثُ زَوّجَهَا أبُوهَا وهِيَ ثَيّبٌ، فَكَرِهتْ ذَلِكَ، فرَدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَه ، فقد روى محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء قال: وكانت أيِّمّاً من رجل فزوجها أبوها رجلاً من بني عوف فخُطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وارتفع شأنها

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلحقها بهواها فتزوجت أبا لبابة ، في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد وله عن نافع بن جبير: فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكتُ أمري، قال: فلا نكاح له، انكحي من شِئتِ، فرد نكاحه. ونكحت أبا لبابة الأنصاري. قال ابن عبد البر: هذا الحديث مجمع على صحته وعلى القول به.

وها هي اليتيمة تأخذ حقها كاملاً في اختيار شريك الحياة فعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اليَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فإنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وإنْ أبَتْ فَلاَ جَوَازَ عَلَيْهَا

قوله: (اليتيمة تستأمر) اليتيمة هي: صغيرة لا أب لها، والمراد هنا: البكر البالغة، سماها باعتبار ما كانت. كقوله تعالى {وآتوا اليتامى أموالهم} وفائدة التسمية: مراعاة حقها والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة. ثم هي قبل البلوغ لا معنى لإذنها، ولا لإبائها. فكأنه عليه الصلاة والسلام شرط بلوغها فمعناه: لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر. قاله القاري في المرقاة.

 (فإن صمتت) أي سكتت (فهو) أي صماتها (وإن أبت) من الإباء، أي أنكرت ولم ترض (فلا جواز عليها) بفتح الجيم، أي فلا تعدي عليها ولا إجبار.

وأخرجه أحمد مرفوعاً بلفظ: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره". وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني. قال في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال الصحيح

وعن عبد الله بن عمر قال : "توفي عثمان بن مظعون، وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص. وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون ـ قال عبد الله: وهما خالاي. ـ فخطبت إلى قدامة ابن مظعون ابنة عثمان بن مظعون، فزوجنيها. ودخل المغيرة بن شعبة (يعني: إلى أمها) فأرغبها في المال: فحطت إليه، فحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قدامة بن مظعون، يا رسول الله: ابنة أخي أوصى بها إلي، فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها". قال: فانتزعت ـ والله ـ مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة" رواه أحمد والدارقطني.

وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها، وهي كارهة، فخيرها النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال ابن القطان: حديث ابن عباس هذا صحيح.

وأخرج الدارقطني، عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم، رد نكاح ثيب وبكر أنكحهما أبوهما وهما كارهتان

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البكر تُستأذن). قلت: إن البكر تستحيي؟ قال: ((إذنها صُماتها))

وحتى لو تم زواج ولكن رأت المرأة لأسباب فعلية حقيقية غير وهمية أن استمرار هذا الزواج سيفتنها في دينها وآخرتها فلها الحق في طلب المفارقة باحسنى  وهو ما يسمى بتشريع الخلع في الإسلام والذي حفظ للمرأة حق المفارقة وترك ذلك الشريك

فقد روى البخاري من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن لا أطيقه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته)؟ قالت: نعم.

 وأخرجه ابن ماجة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام، لا أطيقه بغضا! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته)؟ قالت: نعم. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. فيقال: إنها كانت تبغضه أشد البغض، وكان يحبها أشد الحب، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بطريق الخلع، فكان أول خلع في الإسلام.

و روى عكرمة عن ابن عباس قال: أول من خالع في الإسلام أخت عبدالله بن أبي، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأسه أبدا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة إذ هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها! فقال: (أتردين عليه حديقته)؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته، ففرق بينهما. وهذا الحديث أصل في الخلع، وعليه جمهور الفقهاء. قال مالك: لم أزل أسمع ذلك من أهل العلم، وهو الأمر المجتمع عليه عندنا، وهو أن الرجل إذا لم يضر بالمرأة ولم يسئ إليها، ولم تؤت من قبله، وأحبت فراقه فإنه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس وإن كان النشوز من قبله بأن يضيق علها ويضرها رد عليها ما أخذ منها.

ولكن ينبغي التنبيه هنا على جزئية هامة فكما حفظ الإسلام للمرأة كرامتها في طلب مفارقة شريك الحياة ،فإنه ينبغي على كل امرأة أن تفهم هذا الحديث النبوي جيداًوهو يخص أولئك النسوة اللاتي لا يرين للحياة الزوجية معنى يقفن عنده ويحترمنه فيطلبن الخلع من أزواجهن دون وجود سبب مقبول  فيهدمن بيت الزوجية ويحطمن حياة كانت آمنة مستقرة ويتسببن في تشريد أبنائهن وتعاسة أزواجهن ، إلى أولئك النسوة نسوق هذا الحديث النبوي  :

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة "".

وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما".

 

فهذه هي سماحة الإسلام في إعطاء المرأة حريتها الكاملة في اختيار شريك حياتها فهل بعد هذا من حفظ وصيانة للكرامة الإنسانية ؟!!.